فقال عمر: أجَنّ القوم موتاهم، فلم يضيعوهم! قالوا: وقد قال:

وما سًمِي العجلان إلا لقيلهم ... خذ القعب واحلبْ أيها العبد واعجل1

فقال عمر: خير القوم خادمهم، وكلنا عبيد الله! 2.

ولعلّ في هذا الحوار الذي دار بين رهط بني العجلان وعمر، ما يدل على مدى قدرة عمر على فهم الشعر وتذوقه وإدراك معانيه وعلمه بمراميه.

وعلى الرغم من فقه عمر وفهمه للشعر وتذوقه له على النحو الذي ذكرنا، إلا أنه بعث إلى حسان بن ثابت والحطيئة - وكان محبوسا عنده - فسألهما عن شعر النجاشي في تميم بن مقبل ورهطه، فقال حسان مثل قوله في شعر الحطيئة الذي هجا به الزبرقان بن بدر، فهدد عمر النجاشي، وقال له: إن عدت قطعت لسانك! 3.

وفي ندب عمر الخبراء من الشعراء ما يدل على مدى إيمانه بالتخصص؛ إذ لم يكن ذلك الندب لعجزه عن البت فيما عرض عليه بل كان سنا لقاعدة رشيدة، وهي الرجوع إلى أهل الذكر في كل فن من رجاله المنقطعين له قبل القضاء فيه؛ ليكون ذلك أصح للرأي، وآكد في صواب الحكم.

وعلى الرغم من أن أحكام عمر النقدية قد اتسمت بالجزئية فاتجهت إلى الصياغة، أو المعاني، ولم يتطرق إلى جوانب أخرى في النص الأدبي.. شأن الأحكام النقدية التي سبقته إلا أننا نجد في نقد عمر شيئاً جديدا لم يألفه القارئ من قبل عمر، وهو أن نقده كان موسوما بالتعليل، ومشفوعا بذكر الدواعي والأساليب في غالبيته.

(فعمر هو أول ناقد تعرض نصا للصياغة والمعاني، وحدد خصائص لهذه وتلك، وهو أول من أقام حكما في النقد على أصول متميزة.. فأسند رأيه في زهير إلى أمور محسّة، وأسباب قائمة) 4.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015