أعجب من صبره على الجوع والعطش وهو فيما هو فيه من الهول. قال صالح: كنت ألتمس وأحتال أن أوصل إليه طعامًا أو رغيفًا في تلك الأيام فلم أقدر، وأخبرني رجل حضره أنه تفقده في هذه الأيام الثلاثة وهم يناظرونه فما لحن في كلمة وما ظننت أن أحدًا يكون في مثل شجاعته وشدة قلبه، وروى (?) أنه لما ضرب سوطًا قال: بسم الله، فما ضرب الثاني قال: لا حول ولا قوة إلا بالله، فلما ضرب الثالث قال: القرآن كلام الله غير مخلوق، فلما ضرب الرابع قال: {قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا}. فضربه تسعة وعشرين سوطًا، وكانت تكة أحمد حاشية ثوب فانقطعت فنزل السراويل إلى عانته فرمى [أحمد] بطرفه إلى السماء فحرك شفتيه فما كان بأسرع من ثبوت السراويل على حالته لم يتزحزح، قال الراوي: فدخلت على أحمد بعد سبعة أيام فقلت: يا أبا عبد الله رأيتك وقد انحل سراويلك فرفعت طرفك نحو السماء فثبت ما الذي قلت؟ قال: قلت: اللهم إني أسألك باسمك الذي ملأت به العرش، إن كنت تعلم أني على الصواب فلا تهتك بي سترًا. وفي رواية: لما أقبل الدم من أكتافه انقطع خيط السراويل ونزل رفع طرفه نحو السماء فعاد من لحظه فسئل أحمد فقال: قلت: إلهي وسيدي وقفتني هذا الموقف فلا تهتكني على رؤوس الخلائق. وروي أنه كان كلما ضرب سوطًا أبرأ ذمّة المعتصم فسئل فقال: [11 آ] كرهت أن آتي يوم القيامة فيقال: هذا غريم ابن عم النبي -صلى الله عليه وسلم- أو رجل من أهل بيت النبي -صلى الله عليه وسلم-.

* * *

فهذا مختصر من حال سيدنا الإمام أحمد في المحنة، ولنقتصر هنا على هذه النبذة من مناقب هذا الإمام وفضائل هذا الهمام، فإن ترجمته أفردها الأئمة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015