وَسُمىَ يَوْمُ الْقَرِّ؛ لأنَّ الْحَاجَّ (?) يَقِرُّونَ فِيهِ بِمِنىً وَلَا يَنْفِرُونَ. وَيَوْمُ (?) النَّفْرِ، بِسُكُونِ الْفَاءِ. وَيُقَالُ: يَوْمُ النَّفَرِ بِالتَحْرِيكِ، وَيَوْمُ النُّفُورُ، وَيَوْمُ النَّفِيرِ، عَنْ يَعْقُوبَ (?) وَأصْلُهُ: مِنْ نَفَرَت الدَّاَّبةُ نُفُورًا وَنِفَارًا: إذا عَدَتْ مَخَافَةً، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {كَأَنَّهُمْ (?) حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ (50) فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ} (?).
وَسُمِّيَتْ الْجِمَارُ؛ لِأن آدَمَ عَلَيْهِ السَلَامُ رَمَى إبلِيسَ فَأَجْمَرَ بَيْنَ يَدَيْهِ (?)، فَسُميَّتْ الْجمَارُ بهِ، أيْ: أسْرَعَ، قَالَ لَبِيد (?):
وَإذَا حَرَّكْتُ غَرْزِى أجمَرَتْ ... أَوْ قَرَا بِى عَدْوُ جَوْنٍ قَدْ أبَلْ
قَالَ الزَّمَخْشَرِىُّ (?). وَقَالَ الأزْهَرِىُّ (?): أَجْمَرَ إجْمَارًا: إذَا عَدَا عَدْوًا شَدِيدًا، وَجَمَّرَ الْقَائِدُ الْجَيْشَ: إذَا جَمَعَهُمْ فِى ثَغْرٍ، فَأطالَ حَبْسَهُمْ، وَعَدَّ فُلَانٌ إبِلَهُ جِمَارًا: إذَا عَدَّهَا مُجتَمِعَةً، وَعَدَّهَا نَظَائِرَ: إذَا عَدَّهَا مَثْنَى مَثْنَى. وَقَالَ الأصْمَعِىُّ: جَمَّرَ بَنُو فُلَانٍ: إِذَا اجْتَمَعُوا فَصَاروا أَلْبًا عَلَى غَيْرِهِمْ، وَجَمَرَاتُ الْعَرَبِ سِمِّيَتْ جَمَرَات؛ لاجْتِمَاعِ كُلِّ قَبِيلَةٍ عَلَى حِدَةٍ، لَا تُحَالِفُ وَلَا تُجَاوِرُ قَبِيلَةً أُخْرَى (?). فَحَصَلَ مِنْ مَجْمُوعِ هَذَا الْكَلَامِ أَنَّهُ الاجْتِمَاعُ لِلرَّمْىِ.
وَأَمَّا الأصْلُ فِى رَمْىِ الْجِمَارِ، فَقَالَ أَبُو مِجْلَزٍ (?): لَمَّا فَرَغَ إبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ مِنْ بِنَاءِ الْبَيْتِ، أَتاهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَأراهُ الطوَافَ، ثُمَّ أَتَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ، فَعَرَضَ لَهُ الشَّيْطَانُ، فَأَخَذَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ سَبْعَ حَصَيَاتٍ، وَأَعْطَى إبراهِيمَ سَبْعًا، وَقَالَ: ارْم وَكَبِّرْ، فَرَمَى (236) وَكَبَّرَا مَعَ كُلِّ رَمْيَةٍ، حَتَّى غَابَ الشَّيْطَانُ، ثمَّ أَتَى بِهِ الْجَمْرَةَ الْوُسْطَى، فَعَرَضَ لَهُمَا الشيْطَانُ، فَأَخَذَ جِبْرِيلُ سَبْعَ حَصَيَاتٍ، وَأَعْطَى إبراهِيمَ سَبْعًا وَقَالَ له: ارْمِ وَكَبِّر، فَرَمَى (?) وَكَبرَّا مَعَ كُلِّ رَمْيَةٍ حَتَّى غَابَ الشيْطَانُ، ثُمَّ أَتَى بِهِ (?) الْجَمْرَةَ الْقُصْوَى، فَفَعَلَ كذلك. هَذَا الأصْلُ فِى شُرُوعِ الرمْىِ، كَمَا أَنَّ الأصْلَ فِى شُرُوعِ السَّعْىِ: سَعْىُ هَاجَرَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ عَلَى مَا ذَكَرْتُهُ. وَكَذَلِكَ أَصْلُ الرمْلِ: أنَّ النَّبِى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدِمَ هُوَ وَأصحَابُهُ مَكَةَ فِى عُمْرَةِ الْقَضَاءِ، بَعْدَ الْحُدَيْبِيَةِ، فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ: إِنَّهُ تَقَدُّمُ (?) قَومٍ قَدْ وَهَنَتْهُمْ حُمَّى (?) يَثْرِبَ، فَأمرَهُمْ النَّبِىُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يَرْمُلُوا وَقَدْ ذُكِرَ (?) وَهَذَا مَذْكُورٌ فِى الصَّحِيحَيْنِ (?).
ئُمَّ زَالَتْ هَذِهِ الأشْيَاءُ وَبَقِيَتْ آثَارُهَا وَأَحْكَامُهَا، وَرُبَّمَا أشْكَلَتْ هَذِهِ الأمُورُ عَلَى مَنْ يَرَى صُوَرَهَا وَلَا يَعْرِفُ أسبَابَهَا، فَيَقولُ: هَذَا لَا مَعْنَى لَهُ، فَمَنْ عَرَفَ الأسْبَابَ لَم يَسْتَنْكِرْ ذَلِكَ. وَقَدْ ذَكَرَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ أَنَّ سَبَبَ رَمْى الْجِمَارِ: أَنَّ إِبراهِيمَ عَلَيْهِ السلَامُ نَفَرَ عَلَيْهِ هَدْيٌ، وَكَان يَتْبَعُهُ بالْجمَارِ، وَهِىَ الْحَصَىَ؛ لِيَرُدَّهُ إلَيْهِ.