هذا إلى أنه قد خلا من الغريب الوحشي المستكره، ومن الصنعة المتكلفة الممقوتة.

وبهذا فإن الباقلاني لم يخرج عن قوله: إن القرآن الكريم معجز ببلاغته، وأن بلاغته ترجع إلى نظمه الفريد، ولم يستطع الولوج إلى نظرية النظم لبيان أسرارها وخصائصها.

غير أن أديباً معاصراً له هو القاضي علي بن عبد العزيز الجرجاني المتوفى سنة 392 هـ قد تحدث عن النظم في كتابه "الوساطة بين المتنبي وخصومه" واستطاع أن يزيل شيئاً من الغموض الذي كان يحيط بنظرية النظم، وأن يزيح الستار قليلاً عن بعض جوانبها، وأن يلهم تلميذه عبد القاهر من بعده كيفية الوصول إلى معالمها، وأن يعطيه النبراس الذي يهتدي به للوقوف على أسرارها.

ومع أن القاضي الجرجاني لم يكن يتعرض لنظرية الإعجاز القرآني في كتابه هذا، إلا أنه قد تحدث عن النظم باعتباره معياراً من معاييره البلاغية في وساطته بين المتنبي وخصومه.

أورد القاضي الجرجاني - في وساطته - كلمة النظم كثيراً، كقوله: فما هذا من المعاني التي يضيع لها حلاوة اللفظ وبهاء الطبع ورونق الاستهلال، ويشيح عنها حتى يهلهل لأجلها النسج ويفسد النظم (?).

وكقوله - وهو يعيب على قول أبي تمام -:

يدي لمن شاء رهن لم يذق جرعاً ... من راحتيك درى ما الصاب والعسل

فحذف عمدة الكلام وأخل بالنظم (?)، وكقوله: "وهلا بلغ أقصى

طور بواسطة نورين ميديا © 2015