فإذا ما التقينا بأبي عثمان عمرو بن بحر الجاحظ المتوفى سنة 255 هـ في كتابه: "البيان والتبيين"، الذي اعتبره النقاد من أقدم الآثار في النقد الأدبي عند العرب، وجدناه يعالج من بين قضايا النقد الأدبي مسائل بلاغية كثيرة، كمحاولة تعريف البلاغة، واللفظ والمعنى، ووجوب مطابقة الكلام لمقتضى الحال، والإيجاز والإطناب ومواضعهما، والازدواج والسجع والاحتراس، والسرقات الشعرية، وغير ذلك من القضايا البلاغية التي جعلته أهلاً لأن يعد - غير منازع - مؤسس البلاغة العربية.
على أنه لا يقدح في صحة نظرتنا إلى البلاغة على أنها قسم من أقسام النقد الأدبي، وأن نقاد الأدب قد جعلوا النقد البلاغي جزءاً هاماً من النقد الأدبي أن نرى أبا عبد الله محمد بن سلام الجمحي المتوفى سنة 232 هـ في كتابه: "طبقات الشعراء" لا يتعرض للناحية البلاغية وإنما يمضي لناحية أخرى هي: تقسيم الشعراء إلى طبقات.
وذلك لأن ابن سلام قد اتجه في مؤلفه هذا اتجاهاً تاريخياً، وهذا الاتجاه هو أحد المناهج الرئيسية للنقد الأدبي - كما أسلفنا - هذا إلى تقسيمه الشعراء إلى مجموعات بحسب تفاوتهم في كثرة الإنتاج أو في جودته، أو في قدرته على التصرف في فنون الشعر، وهذه ثقافة نقدية لازمة للناقد حتى يستطيع الحكم على النصوص الأدبية من الناحية الفنية.
ويقرب من ذلك الاتجاه ومن تلك الثقافة النقدية: جهود ابن قتيبة النقدية في كتابه "الشعر والشعراء".
وأبو العباس أحمد بن يحيى المعروف بثعلب، المتوفى سنة 291 هـ، مع أن الشعر لم يكن ميدانه، ولم تكن له قدم راسخة في البلاغة وإنما كان من أئمة اللغة والنحو، وراوية من رواة الأدب وحفاظه، يؤلف كتابه: "قواعد الشعر"، ويذكر أن من فنون الشعر: التشبيه، والإفراط في الإغراق