ونكتة الحذف هنا هي: البيان بعد الإيهام، لأنه لما قيل: ولو شاء، علم أن هناك شيئا تعلقت به المشيئة لكنه مبهم؛ فلما جيء بجواب الشرط، وضح ذلك الشيء وعلم أنه الهداية.

فكل من الشرط والجواب قد دل على المفعول، بيد أن الشرط دل عليه إجمالا، والجواب دل عليه تفصيلا، ولا ريب أن الإيضاح بعد الإبهام أوقع في النفس؛ لأن السامع حين يسمع قوله: "ولو شاء" تتحرك نفسه في شوق إلى ما تعلقت به المشيئة، فإذا جاء بعد ذلك جاء والنفس في ولع ولهف ترقب قدومه، فلا يلبث أن يقع منها موقع الماء القراح من ذي الغلة الصادي.

ومن هذا القبيل قول البحتري:

لو شئت عدت بلاد نجد عودة ... فحللت بين عقيقه وزروده

العقيق والزرود بفتح الزاي: موضعان ببلاد نجد

أي: لو شئت عيادة بلاد نجد عدتها.

ومنه قول البحتري - أيضا -:

يا يوسف بن أبي سعيد والغنى ... للمغمد العزمات غير مساعد.

لو شئت لم تفسد سماحة حاتم ... كرما، ولم تهدم مآثر خالد.

أي: لو شئت عدم إفساد سماحة حاتم لم "تفسدها"، لكنه حذف مفعول المشيئة، فتحركت النفس لتعرف حقيقة مشيئة هذا الرجل

طور بواسطة نورين ميديا © 2015