أما ضياء الدين بن الأثير (ت 637 هـ) فقد جعل علم البيان شاملاً للفصاحة والبلاغة، فقد عرف موضوعه بقوله: "هو الفصاحة والبلاغة، وصاحبه يسأل عن أحوالهما اللفظية والمعنوية" (?).
ويفهم من قوله هذا أن البلاغة تغاير الفصاحة:
ولكننا عندما نصل إلى أبى يعقوب السكاكي (ت 626 هـ) فإننا نجد البلاغة عنده قد بدأت تتضح معالمها وتتميز مسائلها. إذ يجعلها شاملة لعلمي المعاني والبيان، وإليك تعريفه للبلاغة:
"البلاغة": هي بلوغ المتكلم في تأدية المعاني حداً له اختصاص بتوفية خواص التراكيب حقها، وإيراد أنواع التشبيه والمجاز، والكناية على وجهها" (?).
فقد قصر البلاغة على علمي المعاني والبيان، وأما البديع فإنه لم يدخله في البلاغة.
فإذا ما انتهينا إلى الخطيب القزويني (ت 739 هـ) وجدنا البلاغة عنده تأخذ وضعها النهائي؛ فقد فرق تفرقة واضحة بين كل من الفصاحة والبلاغة وعرف البلاغة بأنها: "مطابقة الكلام لمقتضى الحال مع فصاحته (?) ثم عقب على ذلك بقوله: "وقد علم بما ذكرناه أمران:
أحدهما: أن كل بليغ فصيح ولا عكس:
الثاني: أن البلاغة في الكلام مرجعها إلى الاحتراس عن الخطأ في تأدية المعنى المراد، وإلى تمييز الكلام الفصيح من غيره.