ثالثاً: إن اللغويين حتى عصر متأخر لم يكونوا يفرقون بين البلاغة والفصاحة، شأنهم في ذلك شأن كثير من البلاغيين والنقاد الذين سوف نتعرض لآرائهم فيما بعد: والبلاغة بالمعنى الاصطلاحي والذي انتهى إليه علماء البلاغة إلى عصرنا هذا. هي: "مطابقة الكلام لمقتضى الحال مع فصاحته" (?).

وسوف نتعرف - من خلال عرض موجز - على آراء البلاغيين حول تعريف البلاغة منذ حاولوا تعريفها ذلك التعريف الذي لا يزال إلى اليوم مدار بحث البلاغيين واهتمامهم.

وأقدم محاولة لتعريف البلاغة كانت لأبى عثمان عمرو بن بحر الجاحظ (ت 255) هـ فقد وردت مصطلحات البلاغة في كتابه: "البيان والتبيين" غير أنه لم يكن يقصد بها ما قصده المتأخرون من البلاغيين فقد استعمل ألفاظ الفصاحة والبيان والبلاغة مترادفات تدل على معنى واحد؛ فإذا ما عرف "البيان" بأنه "اسم جامع لكل ما كشف لك قناع المعنى؛ وهتك الحجاب عن الضمير حتى يفضي السامع إلى حقيقة اللفظ ويهجم على محصوله كائناً ما كان" (?) فإنه يستعمل البيان بمعنى البلاغة في موضع آخر، وذلك حين يورد إجابة جعفر بن يحيى لمن سأله: ما البيان؟ فيجيب بقوله: أن يكون الاسم يحيط بمعناك، ويجلى من مغزاك وتخرجه من الشركة: ولا تستعين عليه بطول الفكرة، والذي لابد منه أن يكون سليماً من التكلف بعيداً من الصنعة، بريئاً من التعقيد، غنياً عن التأويل (?)،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015