استظهار نوادرها وشواذها ومترادفاتها ومتوارداتها، ولا متحفًا لصور الأساليب وأنواع التراكيب، ولا مخزنًا لحقائب المجازات والاستعارات، وغياب الشواهد والأمثال، فتلك أشياء خارجة عن موضوع البيان وجوهره إنما يُعنَى بها المؤلفون والمدونون وأصحاب القواميس والمعاجم وواضعو كتب المترادفات ومصنفو تواريخ اللغة وتواريخ آدابها، أما البيان فهو تصوير المعنى القائم في النفس تصويرًا صادقًا يمثلهُ في ذهن السامع كأنهُ يراهُ ويلمسهُ لا يزيد على ذلك شيئًا، فإن عجز الشاعر أو الكاتب مهما كبر عقله وغزر علمه واحتفل ذهنه عن أن يصل بسامعه إلى هذه الغاية، فهو إن شئت أعلم العلماء، أو أفضل الفُضلاء، أو أذكى الأذكياء، ولكنه ليس بالشاعر ولا بالكاتب.
ما أشبه الجمود اللغوي في هذه البيئة العربية بالجمود الديني، وما أشبه نتيجة الأول بنتيجة الآخر، لم يزل علماء الدين يتشددون فيه ويتنطعون ويقتطعون من هضبته الشماء صخورًا صماء يضعونها عثرة في سبيل المدنية والحضارة حتى صيروه عبئًا ثقيلًا على كواهل الناس وأعناقهم فملّه الكثير منهم وبرموا به وأخذوا يطلبون لأنفسهم الحياة الطيبة من طريق غير طريقه، ولو أنهم لانوا به مع الزمان وصروفه وتمشوا بأوامره ونواهيه مع شئون