تكلفًا ويأخذ نفسه بهما أخذًا، ولو أنه أرسل نفسه على سجيتها فكتب جميع رسائله ومؤلفاته بتلك اللغة الجميلة العذبة التي كتب بها كتابه هذا لكان من أعظم الكتاب شأنًا وأكثرهم نفعًا وأرفعهم صوتًا في عالم الكتابة والأدب، ولكن هكذا قُدر له أن يقضي بنفسه على نفسه حتى مات رحمة الله عليه فماتت بموته نفثاته وآثاره.
وقرأت منذ أيام لأحد الشعراء المتكلفين ديوان شعر فلم أفهم منه غير خطبته النثرية ولم يُعجبني فيه سواها، وما أحسبها أفلتت من يده ولا جاءت على هذه الصورة من الجودة والحسن إلا لأنه أغفل العناية بها والتدقيق في وضعها فأرسلها عفو الخاطر إرسال من يعلم أنه إنما يسئل عن الإجادة في الشعر لا في النثر، وأن الناس سيتغفرون له ضعف الكاتب أمام قوة الشاعر، غير عالم أنه كاتب أفصح الكتاب وأبينهم، ولو شاء لكان شاعرًا من أقدر الشعراء وأفضلهم، وأنه ما أحسن إلا حيث ظن الإساءة ولا أساء إلا حيث ظن الإحسان.
ووالله ما أدري ما الذي يستفيده هؤلاء الكتاب والشعراء من سلوكهم هذا المسلك الوعر الخشن في أساليبهم الكتابية والشعرية وتكلف الإغراب والتعقيد فيها وهم يعلمون أنهم إنما يكتبون لا لأنفسهم وإن الناس خصوصًا في مثل هذا العصر