والأقلام فيجريها، وكانت منزلتهما من الأحياء منزلة الأم من مصابيح الكهرباء، تشتعل المصابيح بتيارها، وتضيء بأسرارها، فإذا فرغت مادتها وانقضى أجلها عم الظلام واشتد الحلك، والمصابيح كما هي جسم بلا روح، ولفظ بلا معنى.
أما شوقي فقد طار في جو غير هذا الجو، وهام في وادٍ غير ذلك الوادي، وما زالت تعبث به الأنواء، حتى أغرقته فى شبر من الماء، وأما حافظ فقد انقضت حياته النثرية قبل انقضاء البؤساء1.أما حياته الشعرية فلم يبق منها غير نظم المقالات السياسية من العام إلى العام، وأين هذه القيثارة البسيطة ذات اللحن الواحد من ذلك العود الأجوف الرنان الذي كنا نسمع منه مختلف الألحان، وأفانين الأشجان، وأما البكري والمويلحي فقد قضيا حق التأليف هذا بصهاريجه2 وذاك بفتراته3 ثم لحقا بالسابقين، ومضيا على أثر الماضين:
أين سكانك لا أين لهم ... أحجازا أوطنوها أم شآما
أين الروضة الغناء التي كنا نتفيأ ظلالها، ونصهر أغصانها، ونقطف ما شئنا من ورودها ورياحينها؟ وأين البلابل التي كانت