معه في ذلك الفضاء الواسع من الخيال, فيرى الطبيعة بأرضها وسمائها وشموسها وأقمارها ورياضها وأزهارها وسهولها وجبالها وصادحها وباغمها1 وناطقها وصامتها من حيث لا ينقل إلى ذلك قدما، ولا يلاقي في سبيله نصبا.
فإن سمع قول القائل:
وقانا لفحة الرمضاء وادٍ ... سقاه مضاعف الغيث العميم
نزلنا دوحه فحنا علينا ... حنو المرضعات على الفطيم
وأرشفنا على ظمأ زلالا ... ألذ من المدامة للنديم
يصد الشمس أنَّى واجهتنا ... فيحجبها ويأذن للنسيم
يروع حصاه حالية2 العذارى ... فتلمس جانب العقد النظيم
خيل إليه أنه يخطر في ذلك الروض البليل بين أنواره وأزهاره، خطران النسيم بين ظلاله وأشجاره، وأنه يرى بعينه أولئك العذارى السانحات وقد راعهن منظر الحصباء اللامع فوق تلك الديباجة الخضراء, فتولهن وفزعن إلى جوانب عقودهن يلمسنها بأطراف بنانهن, يحسبن أن قد وهت فانتثرت جواهرها في ذلك الروض الأريض.