وأنشأ يسألهم واحدا بعد واحد ما شأنهم وما خطبهم وما مصيرهم، فكان جوابهم جوابا واحدا خلاصته أن هذا النمر اللابس ملابس الإنسان رأى خلتهم1 من حيث يخفى مكانها فثغر2 فيها ثغرة انحدر منها إلى أعراضهم فعبث بها ما شاء وشاء العابثون، فكانوا في داره الضروع التي يحتلبها حتى إذا استنفد درتها3 ألح على دمائها فاستنزفها، وقالوا: إنه كان يديم مطال الجوع في بطونهم فإذا علم أنهم هلكوا أو كادوا طفق يعللهم باللقمة بعد اللقمة، والمضغة أثر المضغة، ويرمّقهم4 العيش ترميقا لا إبقاء عليهم بل على ما كان يغتنمه من بسطة العيش من ورائهم، وزعموا أنه كان يريبه منهم في بعض الأحيان تمردهم عليه واحتفاظهم بأعراضهم من دونه, فيُدخل في أدمغتهم لصا من دخان الحشيشة يسرق عقولهم، ويحل عقدة منعتهم، ويتركهم لا يدرون ما يأتون ولا ما يدعون.
وما وصلوا من شكواهم إلى هذا الحد حتى سقط منهم اثنان بين يدي القاضي, فراعه من أمرهم ما راعه ثم علم أنه الجوع, فأمر لهم بخبز وأدم, فازدحموا عليه يتناهبونه ويزدردونه ازدراد الوحش