في جاهليتها بين خيامها وأخبيتها، وأطنابها وأعوادها، وإبلها وشائها، وشيحها وقيصومها، وأرى مساجلاتها ومنافراتها، وحبها وغرامها، وعفتها ووفاءها، وصبرها وبلاءها، وحداءها وغناءها، وأسواق شعرائها، ومواقف خطبائها، وفقرها وإقلالها، وشحوب وجوهها، وسمرة ألوانها، وضوى أجسامها، وترددها في بيدائها بين حمارة1 القيظ وصبارة2 البرد، وتنقلها من صحراء إلى ريف، ومن مشتى إلى مصيف، ومن نجد إلى وهد، ومن شرف إلى غور، وانتجاعها مواقع الغيث، ومنابت العشب، وقناعتها من الطعام بأحفان التمر، وقعاب اللبن وأصوع الشعير، فإذا جد الجد أكلت القد3 واشتوت الجلد، وتبلغت بالضب واليربوع وعراقيب الآبال وأظلاف الأبقار، واكتفاءها من اللباس بأكسية الكرابيس وأردية الأشعار، وقُمص الأوبار، فإذا أعوزها ذلك لبست الظل، وافترشت الرمل، غير ناقمة ولا ساخطة ولا متبرمة بقضاء الله وقدره في قسمه أزراقه بين عباده ولا باكية حظها من رخاء العيش ولينه، ثم أراها بعد ذلك وقد أنعم الله عليها بنعمة المدينة الإسلامية، فأرى رغد عيشها، ولين طعامها، واعشوشاب جانبها، وعذوبة مواردها ومصادرها، وسرورها