وَلهلك الفقراء همًّا وحزنا، فسمع إبراهيم عليه السلام حواري1 فجذبني جذبة حصلني بها في الجنة، وصاحبي ينظر إليَّ شزرا، فدخلت فرأيت ما لا عين رأت ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر رأيت أنهارًا من الماء العذب أصفى من أديم السماء، وأصقل من مرآة الحسناء، تنصب فيها جداول من الكوثر إذا جرع الشارب منها جرعة جرع ماء الحياة، وأمن أن يذوق كأس المنون مرة أخرى، ورأيت جداول تفيض بالراح فيضًا قد زُيِّنت حواقيها بأباريق من العسجد، وكؤوس من الزبرجد، فما نهلت منها نهلة حتى قلت لو كُشِف لأهل العاجلة عما في هذه الخمرة من اللذة التي لا يشوبها كدر، والنشوة التي لا يعقبها خُمار2 ما باعوا قطرة منها بكل ما تشتمل عليه بابلُ وقُطربل3 من البواطي4 والدنان، ولو نظر الأقيشر الأسدي بعين الغيب إلى عسجد هذه الأباريق، وزبرجد تلك الكؤوس لخجل من نفسه أن يقول:
أفنى تِلادي وما جمعت من نشب ... قرعُ القوازيز5 أفواهَ الأباريق