تعتبر في اليمين نية القاضي:

قال العلماء إن نية القاضي المستحلف للخصم هي التي تعتبر، سواء أكان الخصم موافقا للقاضي في مذهبه أم لا، لحديث: "اليمين على نية المستحلف". وفي رواية أخرى أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "يمينك على ما يصدقك به صاحبك"، فهذا دليل على أن اليمين على نية الذي يقوم بالتحليف ولا ينفع فيها نية الحالف إذا كان ينوي بها نية أخرى تخالف ما أظهره1. رواه الإمام مسلم2.

والمعنى في هذا أنه لو كانت نية الحلف هي المعتبرة لأدى ذلك إلى بطلان فائدة الأيمان وضاعت الحقوق؛ لأن كل واحد يحلف على ما يقصده هو لا ما يقصده القاضي، فلو ادعى مثلا حنفي على شافعي شفعة الجوار -والقاضي يعتقد أن للجار حق الشفعة كما هو مذهب الحنفية- فليس للمدعى عليه أن يحلف على أنه غير مستحق لها عملا باعتقاده هو؛ لأنه شافعي، والشافعية يرون أن الشفعة للشريك فقط لا للجار، بل يجب عليه اتباع القاضي.

وعلى هذا فلو ورى الحالف في يمينه بأن قصد خلاف ظاهر اللفظ عند تحليفه، كقوله والله لا يستحق علي دينارا ولا درهما ولا أقل من ذلك ولا أكثر، وكان يقصد دينارا ودرهما لدولة أخرى غير الدولة التي تعاملا بدنانيرها أو دراهمها، أو تأول بأن اعتقد الحالف خلاف نية القاضي كحنفي حلف شافعيا على شفعة الجوار، فحلف الشافعي أنه لا يستحقها عليه، فإن ذلك لا يدفع إثم اليمين الفاجرة؛ لأن اليمين إنما شرعت لكي يهاب الخصم الإقدام عليها خوفا من الله تبارك وتعالى، فلو صح تأويله لأدى ذلك إلى بطلان هذه الفائدة؛ لأن كل شيء

طور بواسطة نورين ميديا © 2015