فلم يكتف في جانب المدعي بالشاهد الواحد بل أتى باليمين تقوية لشاهده، وإذا كان شاهد المدعي قد قوي باليمين فإن نكول المدعى عليه أضعف من شاهد المدعي, فهو أولى بأن يقوى بيمين الطالب؛ لأن النكول ليس بينة من المدعى عليه، ولا إقرارا، وهو حجة ضعيفة، فلم يقو على الاستقلال بالحكم، فإذا حلف معها المدعي قوي حانبه، فاجتمع النكول من المدعى عليه واليمين من المدعي، فقاما مقام الشاهدين، أو الشاهد، أو الشاهد واليمين.

قالوا: ولهذا لم يحكم على المرأة في اللعان بمجرد نكولها دون يمين الزوج، فإذا حلف الزوج، ونكلت عن اليمين، حكم عليها: إما بالحبس حتى تقر بالزنا أو تلاعن كما يقول أحمد وأبو حنيفة، وإما بالحد كما يقول مالك والشافعي.

دليل الرأي الثالث:

وأما الرأي الثالث القائل بأنه لا يقضي بالنكول ولا بالرد، ولكن يحبس المدعى عليه حتى يجيب بإقرار أو إنكار يحلف معه، فقد احتج له بأن المدعى عليه قد وجب عليه أحد الأمرين: إما الإقرار، وإما الإنكار، فإذا امتنع من أداء الواجب عليه عوقب بالحبس ونحوه حتى يؤديه، قالوا: وكل من عليه حق فامتنع عن أدائه فهذا سبيله.

وأما الآخرون فقد فرقوا بين الموضعين وقالوا: لو ترك المدعي ونكوله لأدى هذا إلى أن تضيع حقوق؛ لأن المدعى عليه من الممكن أن يصبر على الحبس، فإذا نكل عن اليمين ضعف جانب المرأة الأصلية فيه وقوي جانب المدعي فقوي باليمين1.

إذا نكل المدعي أيضا:

بيَّنّا فيما سبق أن بعض العلماء يرى أنه إذا نكل المدعى عليه أن اليمين ترد على المدعي، فإن حلف قضى القاضي له، والسؤال الآن ما هو الحكم -على هذا الرأي- لو نكل المدعي أيضا عن اليمين؟ أجاب أصحاب هذا الرأي بأنه لو نكل المدعي أيضًا صرفهما القاضي2.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015