فالحنفية يرون كما يرى الجمهور أن قضاء المرأة في الحدود والقصاص لا ينفذ، ولو كان ما قضت به موافقا للحق، أما إذا حكمت في غير الحدود والقصاص فينفذ حكمها، فالذكورة عند الحنفية -غير زفر- شرط جواز لا شرط صحة.

ومما يدل على أن الحنفية يرون عدم جواز تولية المرأة منصب القضاء، بجانب ما سبق أن نقلناه من عباراتهم في كتبهم، أن قاضي القضاة كان في أكثر العصور السابقة حنفيا، وكان من مهام منصبه تولية القضاة في جميع البلاد الإسلامية، ولو كان تولي المرأة القضاء جائزا لا إثم فيه عند الحنفية، لحدث ذلك ولو مرة في العصور السابقة1.

الرأي الثالث: ما يراه محمد بن جرير الطبري، وكذلك يراه الحسن البصري أحد كبار فقهاء التابعين، وابن حزم الظاهري، وابن القاسم من المالكية، أنه يجوز تولية المرأة القضاء، وينفذ قضاؤها في كل ما تصح فيه شهادتها، غير أن هؤلاء مختلفون في الأمور التي تصح شهادة المرأة فيها، فابن جرير وابن حزم يريان أن للمرأة أن تشهد في كل شيء، وأما ابن القاسم فيرى أن شهادتها لا تصلح إلا في القضايا الأموال، وما لا يطلع عليه الرجال غالبا، كالولادة، واستهلال المولود، وعيوب النساء التي تحت الثياب، كالرتق، والقرن2.

هذا وقد نسب الإمام الباجي أحد كبار فقهاء المالكية في القرن الخامس الهجري3 إلى محمد بن الحسن الشيباني تلميذ أبي حنيفة أنه قال: يجوز أن

طور بواسطة نورين ميديا © 2015