فصل وَقد تقرر فِي الْقُرْآن الْمجِيد ذكر الْفَوْقِيَّة كَقَوْلِه يخَافُونَ رَبهم من فَوْقهم {إِلَيْهِ يصعد الْكَلم الطّيب} {وَهُوَ القاهر فَوق عباده} لِأَن فوقيته سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وعلوه على كل شَيْء ذاتي لَهُ فَهُوَ الْعلي بِالذَّاتِ والعلو صفته اللائقة بِهِ كَمَا أَن السفول والانحطاط ذاتي للأكوان عَن رُتْبَة ربوبيته وعظمته وعلوه والعلو والسفل حد بَين الْخَالِق والمخلوق يتَمَيَّز بِهِ عَنهُ وَهُوَ سُبْحَانَهُ على بِالذَّاتِ كَمَا كَانَ قبل خلق الأكوان وَمَا سواهُ متسفل بِالذَّاتِ وَهُوَ سُبْحَانَهُ الْعلي على عَرْشه يدبر الْأَمر من السَّمَاء إِلَى الأَرْض ثمَّ يعرج إِلَيْهِ فيحيي هَذَا وَيُمِيت هَذَا ويمرض هَذَا ويشفي هَذَا ويعز هَذَا ويذل هَذَا وَهُوَ الْحَيّ القيوم الْقَائِم بِنَفسِهِ وكل شَيْء قَائِم بِهِ فرحم الله عبدا وصلت إِلَيْهِ هَذِه الرسَالَة وَلم يعالجها بالانكار وافتقر إِلَى ربه فِي كشف الْحق آنَاء اللَّيْل وأطراف النَّهَار وَتَأمل النُّصُوص فِي الصِّفَات وفكر بعقله فِي نُزُولهَا وَفِي الْمَعْنى الَّذِي نزلت لَهُ وَمَا الَّذِي أُرِيد بعلمها من الْمَخْلُوقَات وَمن فتح الله قلبه عرف أَنه لَيْسَ المُرَاد إِلَّا معرفَة الرب بهَا والتوجه اليه مِنْهَا واثباته لَهُ بحقائقها وأعيانها كَمَا يَلِيق بجلاله وعظمته بِلَا تَأْوِيل وَلَا تعطل وَلَا تكييف وَلَا تَمْثِيل وَلَا جمود وَلَا وقُوف وَفِي ذَلِك بَلَاغ لمن اعْتبر وكفاية لمن استبصر