فهذا يدلُّ القارئ دلالة قاطعة على أنَّ الرجل -مع إعراضه عن أقوال العارفين بهذا العلم-: يُحَمِّل أقوال بعضهم ما لا تحتملُ من الجرح.

وإنَّ مما يؤكِّد ذلك؛ أنَّ الحفاظ النقاد مِن بعدهم صحّحوا هذا الحديث على شرط البخاري؛ منهم ابن القطان الفاسي، وابن دقيق العيد -كما ذكر الحافظ في "التلخيص"، وأقرَّهما-، وصحّحه -أيضًا- التِّرمذي، وابن حزم في "المحلّى" (10/ 180)، وعبد الحق الإشبيلي في "الأحكام الصغرى" (28621)، وابن تيمية، وابن القيم -وغيرهم كثير وكثير-.

وقد خَرَّجت له في "الإرواء" (6/ 307 - 311) -تبعًا للزيلعي في "نصب الراية"، وابن القيِّم هنا- شواهد عن خمسة من الصحابة، ولبعضهم عنه أكثر من طريق، وقد ضَعَّفها (الهدَّام) كلّها.

ولو سُلَم بذلك -جَدلًا- لكاد مجموعها يَدُلّ على أنَّ للحديث أصلًا أصيلًا، كيف لا؟ ! وحديث ابن مسعود هذا -وحده- صحيحٌ رغم أنف (الهدَّام)، وحديث أبي هريرة قويٌّ، وقد حسَّنه البخاري، وصحّحه ابن الجارود، والزيلعي (3/ 239).

وإن من جهل (الهدَّام) وغروره؛ أنَّه لم يُعجبه تحسين البخاري وتوثيقه لراويه! وقال فيه -كعادته-: "فيه نظر"! ! ثم هذى ما شاء له هواه مِن الهَذَيان!

وإنَّ مما يؤكّد خروجَه عن {سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ}؛ أنَّ الحديث قد عمل به كبارُ الصحابة وفقهاء التابعين -كما تقدم في كلام الترمذي-، ولقد كان هذا كافيًا ليعرفَ -مِن نفسهِ- انحرافه وضلاله، ولكن صَدَق من قال:

لا ترجع الأنفسُ عن غيِّها ... ما لم يكن منها لها زاجِرُ

وإنَّ من جَنَفِه وهدمهِ؛ أن ابن القيم ذكر لحديث ابن مسعود رواية أخرى أتمَّ -بلفظ-:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015