"آمن ... إيمان ... المؤمن" كلّ هذه الألفاظ سبقت أيضاً الإسلام فاتَّخذها النصارى لاعتقادهم ولعلَّهم استعاروها من السريان. وقد وردت في أخبار المتنصّرين في الجاهليّة كرواية أصحاب الكهف. ورواية تنصُّر أهل نجران. لا بل ذكرها في القرآن"سورة البقرةع285" وأطلقها على النصارى أيضاً فقال:" وَالْمُؤْمِنُونَ كُلّ آمَنَ بِاللهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مّن رّسُلِهِ". ومثلها في سورة آل عمران:"ومنهم المؤمنون.. من أهل الكتاب أمة يؤمنون بالله واليوم الآخر ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر..".

"العيد" هي من الألفاظ الدينيَّة التي استعارها النصارى في الجاهليّة عن الآراميين وهي بالسريانيَّة" ... ". وقد نطق بها امرؤ القيس فقال يصف سرباً من المها أي بقر الوحش:

فآنستُ سرباً من بعيدٍ كأنَّهُ ... رواهب عيدٍ في مُلاءٍ مهدَّبِ

أشار إلى لبس الراهبات في أعياد النصارى للملاء والأنسجة الطويلة الأذيال. ومثله تصريحاً قول العجَّاج في ثور وحش اعتاد الارباضَ كاعتياد النصارى أعيادهم:

واعتاد ارباضاً لها آرِيُّ ... كما يعودُ العيدَ نصرانيُّ

"النذر" ومن عادات النصارى أن يوجبوا على نفوسهم نوافل تقويَّة حباً بالله. وذلك النذر من السريانيَّة " ... ". والنذير" ... " عند بني إسرائيل المقطوع لخدمة الله. وجاء في قصَّة مريم "سورة آل عمران ع31":"آية". وسبق أميّة بن الأشكر الكنانيّ فقال:

كم من أسير من قُرَيْش وغيرها ... تدارَكَهُ من سَعْينا نَذْرُ ناذرِ

فلَّما قدَرْنا أنقذَتْهُ رماحُنا ... فآب إلى آلائهِ غيرَ شاكرِ

وورد لأميّة بن أبي الصلت يذكر نذر إبراهيم لابنه اسحاق وفيه ذكر "الاحتساب" وهي أيضاً من ألفاظهم الدينيَّة بمعنى الثواب والأجر قال:

ولِإبْراهيمَ المُوَفّي بنَذْرٍ ... احتساباً وحامل الاجذالِ

إلى أن قال:

أَبُنَيَّ إنّي نذرتُك ... للهِ شحيطاً فاصبر فدىً لك حالي

ثم للدين مقامات وأبنية مخصّصة بالعبادة شاع عند العرب المسجد والمعبد والمصلّى والمنسك والكعبة ... وكلّ هذه الألفاظ قد سبقت الإسلام واستعملها أهل الجاهليَّة ولا سيَّما النصارى للدلالة على دينهم.

"المسجد" قال الزجَّاج في تعريفه:"كلُّ موضع يُتَعبَّد فيه فهو مسجد". وقد أطلقوها على هيكل أورشليم كقول الطبري في تاريخه عن يوسف خطيب مريم:"تولَّى يوسف خدمة المسجد" وقال ابن خلدون في تاريخه عن العذراء مريم أنَّ حنَّة أمَّها:"جاءت بها إلى المسجد فدفعتها إلى عبَّاده". وقد مرَّ أيضاً ذكر"مسجد مريم" كما ورد في معرفة البلدان للمقدسيّ. ولا نشك أنّها وردت أيضاً في الشعر القديم. ومما رواهُ سيبويه عن بعض الشيوخ قولهُ:

أوصاك ربُّك بالتُّقى ... وأولو النُّهى أوصوا مَعَهْ

فاخترْ لنفسك مسجداً=تخلو بهِ أو صَوْمَعَهْ "قال" الصومعة بيت النصارى. فذكرُ المسجد معها إشارةً إلى أنها في معناها شائعة أيضاً عند النصارى. وقد ورد اسم المسجد في القرآن"سورة الإسراء ع1" دلالةً على"المسجد الأقصى" في القدس الشريف.

وما قلناهُ عن المسجد يصحُّ أيضاً في المعبد والمصلَّى أي مقام العبادة ومحلّ الصلاة ومكان النسك فإنَّ هذه الألفاظ كلّها يرتقي عهدها إلى الزمن السابق للإسلام.

"الكَعْبة" أصلها الغرفة المكعَّبة اتَّخذوها الكعبة الحرام في مكَّة. وقد استعملها أيضاً النصارى للدلالة على كنائسهم في الجاهليَّة كما أشرنا إليه في القسم الأول من كتابنا"ص64" عند ذكرنا كعبة نجران وكعبة اليمن دلُّوا بها إلى كنيسة في نجران. قال الأعشى:

وكعبةُ نجران حتمٌ عليكِ ... حتى تُناخِي بأبوابها

وكان لكنائسهم حَرَمٌ لا يجوز انتهاك حرمتهِ إن دخله جانٍ أَمن على حياتهِ. وفي مساجدهم أمكنة خاصَّة تُعرف بأسمائها كالمِحْراب والقبلة.

"فالمحراب" يراد بها مطلق المسجد. قال صاحب تاج العروس:"محاريب بني إسرائيل مساجدهم التي كانوا يصلّون فيها. وكذلك النصارى قد سمّوا صدر كنائسهم المحراب كما دلَّ بها المسلمون بعد ذلك على صدر مساجدهم".

قال في القرآن في سورة آل عمران عن زكريَّا"ع32" أنَّه كان"يدخل المحراب على مريم" وتكررت في الشعر القديم قال الأعشى:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015