إن بني كلب بطن من قضاعة وهي القبيلة اليمنية الأصل التي أجمع الكتبة على تنصرّها عموماً كابن قتيبة واليعقوبي والنويري وخصّوا بالذكر بعض بطوناه كبني سليح وبني جرم ثم ليس في كتب المؤرخين إشارة إلى شرك كلب بل كثيراً ما يصرحون بنصرانية أعيانهم كبحدل بن عنيف من ساداتهم وهو أبو ميسون زوجة معاوية وكقرافصة الكلبي أبي نائلة زوجة الخليفة عثمان بن عفّان.

وذُكر في المقتضب لياقوت (ص36) وفي تاريخ ابن عساكر في ترجمة نائلة "أنّ" بني كلب كلهم كانوا نصارى وكذلك ذكر ابن خلدون في تاريخه (2: 219) أنهم خلوا فغي دين النصرانية.

ولما ظهر الإسلام كان بنو كندة وبنو كلب من جملة الذي لم ينكروا دينهم كما أخبر بلك ابن هشام ف سيرة الرسول (ed.Wustenfeld,p282) وكذا روى ياقوت في المقتضب عن مدر كلب أي أهلب البادية فقال: "اسلمت كلب غير مدرها كانوا نصارى" وبقي الذين اسلموا منهم عل عاداتهم النصرانية كما روى في كتاب البلدان لابن الفقيه (ص315) فقال عنهم: "أنهم مسلمون في أخلاق النصارى".

وأخبر ابن قتيبة في عيون الأخبار (ص174) والجاحظ في البيان والتبيين (2: 62) أن بعض من أسلم منهم كانوا يضربون الناقوس ويترددون إلى الكنيسة التي تعمدوا فيها.

وكان من جملة أمرائهم الذي يتولون تدبيرهم أبو كرب الذي عرف بنصرانيته فمنحه يستنيانوس الملك تدبير قبائل السماة كما روى المؤرخ بروكوبيروس.

وربما دعا المؤرخون هذه القبائل المنتصرة بالمستعربة وإليهم تلجأ الروم عند ظهور الإسلام لمحاربة خالد بن الوليد، قال ابن البطريق في تاريخه هن هرقل أنه "استجلب المستعربة من غسان وجذام وكلب ولخم وكل من قدر عليه من الأعراب وأمر عليهم قائداً من قواده يقال لهم ماهان".

فترى من هذه النصوص أن كتبة العرب أيضاً يوافقون اليونان والسريان في نسبة النصرانية إلى لقبائل المتفرقة في شمالي سورية.

ونختم هذا الفصل بأثر جميل وجد في بعض مخطوطات لندن السريانية التي وصفها العلامة ريت في قائمة المتحف البريطاني تحت العدد 754 وهو مجموع رسائل قديمة راقية إلى أواخر القرن السادس للمسيح، من جملتها رسالة مضمونها دستور الإيمان كتبها رؤساء أديرة إقليم البلاد العربية (سرياني) ووجهوها إلى يعقوب البرادعي ليرذلوا فها بدعة يحيى النحوي في تثليث الجوهر الإلهي (Tritheime) وذلك بين السنتين 570 و578 وهذه الرسالة قد نشرها المنسينوز لامي (Mgrlamy) رئيس كلالية لوفان في مؤتمر المستشرقين ف باريس سنة 1898 (ص118 138) وهي موقعة بإمضاء 137 رئيساً على 137 ديراً موقعها كلها في إقليم العربية الممتد شرقي بلاد الشام إلى جهات الفرات (1. فناهيك بهذا العدد العديد شاهداً جليلاً على انتشار النصرانية بين عرب الشام وسورية، على أن هؤلاء العرب كان جنحوا إلى البدعة اليعقوبية كما ترى، وأيد ذلك ابن العبري في تاريخه الكنسي حيث قال (ج1 ص217) : إن كل قبائل العرب التي كانت في البادية (يريد بادية الشام والفرات) كانوا معارضين للجمع الخلفيدوني ولا الصحة، وعلى كل حال يصبت قولنا في شمول النصرانية لعرب باد الشام والفرات إلى حدود العراق.

والمستشرقون في عهدنا يرتأون هذا الرأي، قال الهولندي دوزي (رضي الله عنه.عز وجلozy) في مقدمات كتابه عن الإسلام (الترجمة الفرنسوية لشوفان V.chavin,p.13) ، "كان عرب سورية يدينون بالنصرانية" Les صلى الله عليه وسلمrabes de syria profes saient le christianisme ويشاركه في هذا الرأي غيره من العلماء كنولدك وغولدتسير (J.Goldziher) ولونرمان (Lenormand) بل كل من له بعض إلمام بتاريخ العرب في الجاهلية.

الباب العاشر

النصرانية في الحجاز ونجد

تتبعنا كما رأيت آثاراً النصرانية في أطراف بلاد العرب على كل جوانبها فلم يبق علينا إلا ذكر أواسطها لنرى ما كان للدين المسيحي من التأثير في القبائل الساكنة في الحجاز وبذلك تتم أبحاثنا عن تاريخ النصرانية في كل أنحاز جزيرة العرب.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015