وقد ذكرنا سابقاً أن أول أثر من الخط العربي قد كتب سنة 512 للمسيح أي 110 سنوات قبل الهجرة على مشهد القديس سرجيوس في زبد وصورنا هناك صورته (الجزء الأول ص 203 204) . والأثر الثاني من الخط العربي يرقى إلى السنة 568 م وجد في حران من أعمال حوران كتب على مشهد أقيم تذكاراً للقديس يوحنا المعمدان المكرم هناك.

وكذلك أصحاب الكهف وهم شهداء أفسس الذين روي عنهم أنهم هربوا من وجه المغتصب في عهد دقيوس قيصر فالتجأوا إلى كهف أي مغارة وظلوا فيها نائمين السنين الطوال ختى أفاقوا من سباتهم بإذن الله وصاروا آية للقيامة. وقد ورد ذكرهم في القرآن وفي شعر أمية بن أبي الصلت كما ورد ذكر أصحاب الأخدود أي شهداء نجران اللذين ألقاهم ملك اليمن اليهودي ذو نواس في أتون النار (راجع سورة البروج في القرآن) وذكروا تاريخ حبيب النجار زعموا أنه رافق تلاميذ المسيح إلى إنطاكية وساعدهم في نشر دينه بين أهلها.

6 أما التاريخ المدني فقد عرف منه نصارى العرب نتفاً لاسيما تاريخ الأمم المجاورة للعرب من فرس وحبش ورومان. فمن ذلك ما أنشده أمية بن أبي الصلت في محاربة سيف بن ذي يزن للحبش بمساعدة الفرس وطردهم من جزيرة العرب (راجع في شعراء النصرانية لأميته ص 231) التي أولها:

ليطلب الوترَ أمثالُ ابنِ ذي يزنٍ ... في البحر خيّم للأعداء أحوالا

وربما ذكروا ملوك الروم باسمهم العام "قيصر" كقول امرئ القيس عند رحلته إلى حاضرة ملوك الروم يستنجدهم على قتلة أبيه:

بكى صاحبي لمَّا رأى الدرب دونهُ ... وأيقنَ أنا لاحقانِ بقيصرا

فقلت لهُ لا تبكِ عينك إنمَّا ... نحاول ملكاً أو نموتَ فنعذرا

وخصوا بالذكر بعضهم كمورق موريقيوس قيصر. قال الكندي يذكر بعض من فتك بهم الدهر (حماسة البحتري ع 383) .

وأصبن أبرهة الذي سجدتْ لهُ ... صمُّ الغيول صوامتاً لم تنطقِ

وأجبن كسرى وابن كسرى بعدهُ ... والمرءَ قيصرَ وانتحينَ لمورقِ

وكذلك ذكروا منهم هرقل أو هرقل. فال لبيد (ديوانه ص 35) :

غلب الليالي ملكَ آلِ محرقٍ ... وكما فعلنَ بتبعٍ وبهرقلِ

أما ملوك العجم فقد ذكروا معظم أسماء ملوك سلالتهم الساسانية مثل كسرى وسابرو وازدشير وهرمز.

7 ومن المرويات العديدة التي نقلها أول كتبة الإسلام على علاتها فأثبتوا بأسانيدها إلى بعض أهل الكتاب من نصارى ويهود مما لا يخلو منه تأليف واحد من تأليفهم القديمة وربما أشار إليها القرآن أو نقل عنها الحديث يظهر أنه شاعت في جزيرة العرب مصنفات شتى معظمها لبعض المبتدعين أو لكتبة مجهولين لا صفة لهم رسمية في الكنيسة. وقد بقي منها أشياء في قصص الأنبياء للثعلبي وغيره. وفيها الغث والسمين. ومن هذه التأليف ما ورد ذكره في الشعر القديم ولا نعلم منت أمره شيئاً كقول بشر بن أبي خازم وقيل الطرماح في كتاب بني تميم (المفضليات ص 676) :

وجدنا في كتاب بني تميمِ ... أحقُّ الخيلِ بالرَّكض المعارُ

وكانت بعض هذه التأليف مكتوبة بالسريانية أو الحبشية فوقف على مضامينها العرب ونقلوا أشياء منها خصوصاً من كتب "مغارة الكنوز" المنسوب زرواً إلى القديس افرام. وكان في هذه الكتب الصحيح والسخيف فلم يفرز العرب العليل من السالم.

هذا ما استطعنا استخلاصه من الآثار الباقية فهو مع قلته شاهد صادق على ما توخينا إثباته عن شيوع التاريخ المسيحي عند قدماء العرب.

الفصل التاسع

التعليم الفلسفية واللاهوتية بين نصارى الجاهلية

أتثبتنا في مقدمة أبحاثنا عن النصرانية وآدابها في عهد الجاهلية أن العرب كانوا مشركين كبقية الأمم ما خلا الشعب الإسرائيلي وأنهم عبدوا الأصنام قبل التاريخ المسيحي وفي القرون الأولى بعده وأن اختلف شركهم بعض الاختلاف في جنوب جزيرتهم وشمالها وغربها.

أما الآثار المتأخرة الباقية من القرن السادس وأوائل السابع للمسيح فعلى خلاف ذلك فإنها إلى التوحيد أقرب ومنها إلى الشرك بل لا تكاد تجد في الشعر الجاهلي المجموع وفي ذلك العهد أثراً للشرك اللهم إلا بقايا قليلة لا يعبأ بها.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015