هذه هي الحياة التي يدعى إليها المؤمنون بالله: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ» ... وصدق الله. وصدق رسول الله .. (?)

وقال تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [البقرة:216].

إن القتال في سبيل الله فريضة شاقة. ولكنها فريضة واجبة الأداء. واجبة الأداء لأن فيها خيرا كثيرا للفرد المسلم، وللجماعة المسلمة، وللبشرية كلها. وللحق والخير والصلاح.

والإسلام يحسب حساب الفطرة فلا ينكر مشقة هذه الفريضة، ولا يهون من أمرها. ولا ينكر على النفس البشرية إحساسها الفطري بكراهيتها وثقلها. فالإسلام لا يماري في الفطرة، ولا يصادمها، ولا يحرم عليها المشاعر الفطرية التي ليس إلى إنكارها من سبيل .. ولكنه يعالج الأمر من جانب آخر، ويسلط عليه نورا جديدا إنه يقرر أن من الفرائض ما هو شاق مرير كريه المذاق ولكن وراءه حكمة تهون مشقته، وتسيغ مرارته، وتحقق به خيرا مخبوءا قد لا يراه النظر الإنساني القصير .. عندئذ يفتح للنفس البشرية نافذة جديدة تطل منها على الأمر ويكشف لها عن زاوية أخرى غير التي تراه منها. نافذة تهب منها ريح رخية عندما تحيط الكروب بالنفس وتشق عليها الأمور .. إنه من يدري فلعل وراء المكروه خيرا. ووراء المحبوب شرا. إن العليم بالغايات البعيدة، المطلع على العواقب المستورة، هو الذي يعلم وحده. حيث لا يعلم الناس شيئا من الحقيقة.

وعندما تنسم تلك النسمة الرخية على النفس البشرية تهون المشقة، وتتفتح منافذ الرجاء، ويستروح القلب في الهاجرة، ويجنح إلى الطاعة والأداء في يقين وفي رضاء.

هكذا يواجه الإسلام الفطرة، لا منكرا عليها ما يطوف من المشاعر الطبيعية، ولا مريدا لها على الأمر الصعب بمجرد التكليف. ولكن مربيا لها على الطاعة، ومفسحا لها في الرجاء. لتبذل الذي هو أدنى في سبيل الذي هو خير ولترتفع على ذاتها متطوعة لا مجبرة، ولتحس بالعطف الإلهي الذي يعرف مواضع ضعفها، ويعترف بمشقة ما كتب عليها، ويعذرها ويقدرها ويحدو لها بالتسامي والتطلع والرجاء.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015