فإرادة الله هي الفاعلة في النهاية، وبدونها لا يبلغ "الإنسان " بذاته شيئاً، ولكن هذه الإرادة تعين من يعرف طريقها، ويستمد عونها ويجاهد في الله ليبلغ رضاه.

وقدر الله - مع ذلك كله - هو الذي يحيط بالناس والأحداث، وهو الذي يتم وفقه ما يتم من ابتلاء، ومن خير يصيبه الناجحون في هذا الابتلاء.

وهذه هي الحقيقة التي شاء الله - سبحانه- أن يعلمها للجماعة المسلمة. وهو يبين لها في التعقيب على غزوة أحد أسباب النصر وأسباب الهزيمة - من عملها - ثم يكشف لها عن حكمة الله من وراء الابتلاء كله، ومن وراء النصر والهزيمة: وعن تدبيره كذلك {وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (} [آل عمران:152].وليعرفهم سنته الشاملة. ومردها في النهاية إلى مشيئته الطليقة وقدره النافذ من وراء الأسباب والوقائع: {نْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (140) وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ (141)} [آل عمران]

وإذن فهو - في النهاية - تدبير الله ومشيئته وقدره، ليتم ما يريده من وراء الأسباب والأحداث. وهو الأمر الذي لا يسأل عنه سبحانه: لأنه شأنه الإلهي، الذي لا يسأل عنه ... وهذه هي حقيقة الإيمان الكبرى التي لا يتم في النفس إلا باستقرارها فيها، واطمئنانها إليها ... وهي التكملة التي لابد منها لما قررناه في هذا الفصل عن طبيعة هذا الدين وطريقته ... بلا تعارض بين طرقي هذه الحقيقة في حسن المسلم، الذي يتذوق قلبه حقيقة هذا الدين، كما أنزلها الله. ولا يعارضها بتصورات ومقررات ليست مستقاة من كتاب الله. (?)

- - - - - - - - - - - - -

طور بواسطة نورين ميديا © 2015