وليس لأحد من خلق الله أن يسأله - سبحانه -لماذا شاء هذا كله على هذا النحو الذي أراده فكان. ليس لأحد من خلقه أن يسأله - سبحانه - ما دام أن أحداً من خلقه ليس إلهاً، وليس لديه العلم، ولا إمكان العلم - بالنظام الكلي لهذا الكون؛ ومقتضيات هذا النظام في طبيعة كل كائن في هذا الوجود.
ولماذا؟ - في هذا المقام - سؤال لا يسأله مؤمن جاد، ولا يسأله ملحد جاد ... المؤمن لا يسأله، لأنه أكثر أدباً مع الله - الذي يعرفه بذاته وصفاته وخصائصه - وأكثر معرفة بطبيعة إدراكه البشري وحدوده، وأنه لم يهيأ للعمل في هذا المجال ... والملحد الجاد لا يسأله، لأنه لا يعترف بالله ابتداء، فان هو اعتراف بألوهيته عرف معها أن هذا شأنه - سبحانه - ومقتضى ألوهيته، وأنه: {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} [الأنبياء:23].لأنه وحده المهيمن العليم بما يفعل.
ولكنه سؤال قد يسأله هازل مائع. لا هو مؤمن جاد، ولا هو ملحد جاد. ومن ثم لا يجوز الاحتفال به، ولا أخذه مأخذ الجد ... وقد يسأله جاهل بحقيقة الألوهية وخصائصها. فالسبيل لتعليم هذا الجاهل ليس هو الإجابة المباشرة. إنما هو تعريفه بحقيقة الألوهية وخصائصها ... حتى يعرفها ويسلم بها فهو مؤمن. أو يجحدها وينكرها فهو ملحد ... وبهذا ينتهي الجدل ... إلا أن يكون مراء!
والمسلم منهى عن المضي في الجدل حتى يكون مراء!.
والخلاصة التي ننتهي إليها من هذا الاستطراد في هذه الفقرة: هي أنه ليس لأحد من خلق الله أن يسأله - سبحانه -لماذا شاء أن يخلق " الإنسان " بهذه الفطرة؟ ولماذا شاء أن يبقي فطرته هذه عاملة لا تمحى ولا تعطل؟ لماذا شاء أن يجعل المنهج الإلهي لحياته البشرية يتحقق عن طريق الجهد البشري، وفي حدود الطاقة البشرية، والواقع المادي لحياته؟ ولم يشأ أن يجعله يتم بوسيلة خارقة، وبأسباب مبهمة غامضة!.
ولكن لكل أحد من خلقه أن يدرك هذه الحقائق ويعرفها؛ ويراها وهي تعمل في واقع الحياة البشرية. ويفسر أحداث التاريخ البشري على ضوئها. فيفقه خط سيرها التاريخي من