كثير من خلقه، ورفعه عن درك الحيوان لتكون أهداف حياته أعلى من ضرورات الحيوان ولتكون دوافعه وغاياته أرفع من دوافع الحيوان وغاياته.
ومن ثم كان مضمون الرسالة أو مضمون آيات الكتاب المحكمة المفصلة، بعد توحيد الدينونة لله، وإثبات الرسالة من عنده .. الدعوة إلى الاستغفار من الشرك والتوبة .. وهما بدء الطريق للعمل الصالح. والعمل الصالح ليس مجرد طيبة في النفس وشعائر مفروضة تقام. إنما هو الإصلاح في الأرض بكل معاني الإصلاح، من بناء وعمارة ونشاط ونماء وإنتاج. والجزاء المشروط: «يُمَتِّعْكُمْ مَتاعاً حَسَناً إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى، وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ» ..
والمتاع الحسن قد يكون بالنوع كما يكون بالكم في هذه الحياة الدنيا. أما في الآخرة فهو بالنوع والكم وبما لم يخطر على قلب بشر. فلننظر في المتاع الحسن في هذه الحياة.
إننا نشاهد كثيرا من الطيبين الصالحين، المستغفرين التائبين، العاملين في الحياة .. مضيقا عليهم في الرزق. فأين إذن هو المتاع الحسن؟
وهو سؤال نعتقد أنه يتحرك على ألسنة الكثيرين! ولا بد لإدراك المعنى الكبير الذي يتضمنه النص القرآني أن ننظر إلى الحياة من زاوية أوسع، وننظر إليها في محيطها الشامل العام، ولا نقتصر منها على مظهر عابر.
إنه ما من جماعة يسود فيها نظام صالح، قائم على الإيمان بالله، والدينونة له وحده، وإفراده بالربوبية والقوامة، وقائم على العمل الطيب المنتج في الحياة .. إلا كان لها التقدم والرخاء والحياة الطيبة بصفة عامة كجماعة وإلا ساد فيها العدل بين الجهد والجزاء والرضى والطمأنينة بالقياس إلى الأفراد بصفة خاصة. فإذا شاهدنا في جماعة ما أن الطيبين العاملين المنتجين مضيق عليهم في الرزق والمتاع الطيب، فذلك شاهد على أن هذه الجماعة لا يسودها النظام المستمد من الإيمان بالله، القائم على العدل بين الجهد والجزاء.
على أن الأفراد الطيبين الصالحين المنتجين في هذه الجماعة يمتعون متاعا حسنا، حتى لو ضيق عليهم في الرزق، وحتى لو كانت الجماعة تطاردهم وتؤذيهم، كما كان المشركون يؤذون القلة المؤمنة، وكما تؤذي الجاهليات القلة الداعية إلى الله. وليس هذا خيالا وليس