لأن الله جعل حسن المرأة وخلقها مؤثرا أشد التأثير ... فتفاوتهن في ذلك وخلو بعضهن منه يؤثر لا محالة تفاوتا في محبة الزوج بعض أزواجه، ولو كان حريصا على إظهار العدل بينهن، فلذلك قال: {وَلَوْ حَرَصْتُمْ} ، وأقام ميزان العدل بقولِه: {فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ} أي لا يفرط أحدكم بإظهار الميل إلى إحداهن أشد الميل حتى يسوء الأخرى، بحيث تصير الأخرى كالمعلقة، ... والمعلقة: هي المرأة التي يهجرها زوجها هجراً طويلاً، فلا هي مطلقة ولا هي زوجة ... ، وقد دل قوله: ((ولن تستطيعوا)) إلى قوله: ((فلا تميلوا كل الميل)) على أن المحبة أمر قهري، وأن للتعلق بالمرأة أسبابا توجبه، قد لا تتوفر في بعض النساء، فلا يكلف الزوج بما ليس في وسعه من الحب والاستحسان ... (?) .
وفي في ظلال القرآن: إن الله الذي فطر النفس البشرية، يعلم من فطرتها أنها ذات ميول لا تملكها، ومن ثم أعطاها لهذه الميول خطاماً لينظم حركتها، من هذه الميول أن يميل القلب البشري إلى إحدى الزوجات، ويؤثرها على الأخريات، فيكون ميله إليها أكثر من الأخرى، والأخريات، وهذا ميل لا حيلة له فيه، ولا يملك محوه، والإسلام لا يحاسبه على أمر لا يملكه، ولا يجعل هذا إثماً يعاقبه عليه، فيدعه موزعاً بين ميل لا يملكه وأمر لا يطيقه، بل إنه يصارح الناس بأنهم لن يستطيعوا أن يعدلوا بين النساء ولو حرصوا، لأن الأمر خارج عن إرادتهم، ولكن هنالك ما هو داخل في إرادتهم، هناك العدل في المعاملة، العدل في القسمة، العدل في النفقة، العدل في الحقوق الزوجية كلها، حتى الابتسامة في الوجه، والكلمة الطيبة باللسان، وهذا ما هم مطالبون به.
{فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ} فهذا هو المنهي عنه، الميل في المعاملة