جعلت حاضرة له، مطبوعة عليه لا تنفك عنه أبداً، فلا المرأة تسمح بحقوقها من الرجل، ولا الرجل يجود بحسن المعاشرة مع دمامتها، فإن فيه تحقيقاً للصلح وتقريراً له، بحث كل منهما عليه، لكن لا بالنظر إلى حال نفسه، فإن ذلك يستدعي التمادي في المماكسة والشقاق، بل بالنظر إلى حال صاحبه، فإن شح نفس الرجل وعدم ميلها عن حالتها الجبلية بغير استمالة، مما يحمل المرأة على بذل بعض حقوقها إليه لاستمالته، وكذا شح نفسها بحقوقها، مما يحمل الرجل على أن يقتنع من قبلها بشيء يسير لا يكلفها بذل الكثير، فيتحقق بذلك الصلح (?) .

وفي هذا المعنى يقول الشيخ السعدي رحمه الله: واعلم أن كل حكم من الأحكام لا يتم ولا يكمل إلا بوجود مقتضيه وانتفاء موانعه، فمن ذلك هذا الحكم الكبير الذي هو الصلح، فذكر تعالى المقتضي لذلك، فقال: {وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} ، والخير كل عاقل يطلبه ويرغب فيه، فإن كان مع ذلك قد أمر الله به وحث عليه ازداد المؤمن طلباً له ورغبة فيه، وذكر المانع بقوله: {وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ} أي جبلت النفوس على الشح، وهو الاستئثار والتفرد في الحقوق، وعدم الرغبة في بذل ما على الإنسان، والحرص على الحق الذي له، فالنفوس مجبولة على ذلك طبعاً، أي فينبغي لكم أن تحرصوا على قلع هذا الخلق الدنيء من نفوسكم وتقليله وتلطيفه، وتستبدلوا به ضده، وهو السماحة ببذل جميع الحقوق التي عليك، والاقتناع ببعض الحق الذي لك والإغضاء عن التقصير، فمتى وفق العبد لهذا الخلق الطيب سهل عليه الصلح بينه وبين كل من بينه وبينه منازعة ومعاملة، وتسهلت الطريق الموصلة إلى المطلوب، ومن لم يكن

طور بواسطة نورين ميديا © 2015