أَنْ يَكُونَ مِنْ آخِرِ الضُّحَى كَمَا سَنَذْكُرُهُ وَلِذَلِكَ لَمَّا أَشَارَ إِلَيْهِ فِي التَّيْسِيرِ آخِرًا رَدَّهُ بِقَوْلِهِ: وَالْأَحَادِيثُ الْوَارِدَةُ عَنِ الْمَكِّيِّينَ بِالتَّكْبِيرِ دَالَّةٌ عَلَى مَا ابْتَدَأْنَا بِهِ لِأَنَّ فِيهَا " مَعَ "، وَهِيَ تَدُلُّ عَلَى الصِّحَّةِ وَالْإِجْمَاعِ. انْتَهَى.
(وَلَمْ يَرْوِ) أَحَدٌ التَّكْبِيرَ مِنْ آخِرِ " وَاللَّيْلِ " كَمَا ذَكَرُوهُ مِنْ آخِرِ " وَالضُّحَى "، وَمَنْ ذَكَرَهُ كَذَلِكَ فَإِنَّمَا أَرَادَ كَوْنَهُ مِنْ أَوَّلِ الضُّحَى، وَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا صَرَّحَ بِهَذَا اللَّفْظِ إِلَّا الْهُذَلِيَّ فِي كَامِلِهِ تَبَعًا لِلْخُزَاعِيِّ فِي الْمُنْتَهَى، وَإِلَّا الشَّاطِبِيَّ حَيْثُ قَالَ:
وَقَالَ بِهِ الْبَزِّيُّ مِنْ آخِرِ الضُّحَى ... وَبَعْضٌ لَهُ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ وَصَلَا
وَلَمَّا رَأَى بَعْضُ الشُّرَّاحِ قَوْلَهُ هَذَا مُشْكِلًا قَالَ: مُرَادُهُ بِالْآخِرِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ أَوَّلُ السُّورَتَيْنِ، أَيْ: أَوَّلَ أَلَمْ نَشْرَحْ وَأَوَّلَ وَالضُّحَى وَهَذَا فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ يَكُونُ بِذَلِكَ مُهْمِلًا رِوَايَةَ مَنْ رَوَاهُ مِنْ آخِرِ وَالضُّحَى وَهُوَ الَّذِي فِي التَّيْسِيرِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ سَوَّى بَيْنَ الْأَوَّلِ وَالْآخِرِ فِي ذَلِكَ، وَارْتَكَبَ فِي ذَلِكَ الْمَجَازَ وَأَخَذَ بِاللَّازِمِ فِي الْجَوَازِ، وَإِلَّا فَالْقَوْلُ بِأَنَّهُ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ حَقِيقَةً لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ. قَالَ الشُّرَّاحُ: قَوْلُ الشَّاطِبِيِّ " وَبَعْضٌ لَهُ " أَيْ: لِلْبَزِّيِّ، وَصَلَ التَّكْبِيرَ مِنْ آخِرِ سُورَةِ " وَاللَّيْلِ " يعني: من أَوَّلِ الضُّحَى. قَالَ أَبُو شَامَةَ: هَذَا الْوَجْهُ مِنْ زِيَادَاتِ هَذِهِ الْقَصِيدَةِ، وَهُوَ قَوْلُ صَاحِبِ الرَّوْضَةِ، قَالَ: وَرَوَى الْبَزِّيُّ التَّكْبِيرَ مِنْ أَوَّلِ سُورَةِ وَالضُّحَى انْتَهَى. وَأَمَّا الْهُذَلِيُّ فَإِنَّهُ قَالَ: ابْنُ الصَّبَّاحِ وَابْنُ بَقَرَةَ يُكَبِّرَانِ مِنْ خَاتِمَةِ " وَاللَّيْلِ ".
قُلْتُ: ابْنُ الصَّبَّاحِ هَذَا هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الصَّبَّاحِ وَابْنُ بَقَرَةَ هُوَ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ هَارُونَ الْمَكِّيَّانِ مَشْهُورَانِ مِنْ أَصْحَابِ قُنْبُلٍ، وَهُمَا مِمَّنْ رَوَى التَّكْبِيرَ مِنْ أَوَّلِ الضُّحَى كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ ابْنُ سَوَّارٍ وَأَبُو الْعِزِّ، وَغَيْرُهُمَا، وَهَذَا الَّذِي ذَكَرُوهُ مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ بِآخِرِ اللَّيْلِ هُوَ أَوَّلُ الضُّحَى مُتَعَيِّنٌ إِذِ التَّكْبِيرُ إِنَّمَا هُوَ نَاشِئٌ عَنِ النُّصُوصِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَالنُّصُوصُ الْمُتَقَدِّمَةُ دَائِرَةٌ بَيْنَ ذِكْرِ الضُّحَى وَأَوَّلِ أَلَمْ نَشْرَحْ لَمْ يُذْكَرْ فِي شَيْءٍ مِنْهَا " وَاللَّيْلِ " فَعُلِمَ أَنَّ الْمَقْصُودَ بِذِكْرِ آخِرِ اللَّيْلِ هُوَ أَوَّلُ الضُّحَى كَمَا حَمَلَهُ شُرَّاحُ كَلَامِ الشَّاطِبِيِّ. وَهُوَ الصَّوَابُ بِلَا شَكٍّ - وَاللَّهُ أَعْلَمُ -.