السبب في إضمار "أن" وجوبا، وجوازا:
تقدمت1 المواضع التي تضمر فيها "أن" الناصبة بنفسها للمضارع بالرغم من إضمارها. ولا ترضى جمهرة النحاة أن يكون الناصب في تلك المواضع عاملا آخر. وتتلخص الحجة فيما يأتي:
نصب المضارع لا بد أن يكون أثرا لعامل ناصب، إن لم يظهر في الكلام فلا مناص من تقديره مختفيا2 يعمل النصب وهو مضمر2 ... ؛ إذ لا يستقيم المعنى بغير إضماره جوازا حينان ووجوبا حينا آخر.
أ- يتضح هذا من مواضع الإضمار الجائز التي منها "المضارع المسبوق بلام التعليل"3 "في مثل: تداوي المريض ليبرأ -تعلم الناشئ ليسعد- أجاد الصانع ليشتهر" ... فسبب الإضمار هنا أن "التعليل" أمر معنوي محض؛ فهو -كسائر الأمور المعنوية المحضة- متجرد من الدلالة على الزمان، أو المكان، أو الذات، أو غيرهما ... ، مقتصر على الناحية العقلية الخالصة؛ "ومن الأمثلة أيضا: التداوي، البرء، التعلم، السعادة، الاشتهار، القيام، القعود، الحصد، الأكل، الشرب، السفر ... " على حين يتضمن المضارع الذي بعد "لام التعليل" الدلالة على الزمان4 حتما؛ فهو مخالف لذلك القانون اللغوي الثابت الخاص بالتعليل؛ ومناقض له، مع أنهما لفظان متصلان متلاصقان في كلام واحد مرتبط المعنى. فلا بد من منع هذا التناقض بوسيلة سائغة تخضع هذا المضارع للقانون العام المطرد. وقد وجدها النحاة فيما يسمونه: "المصدر المؤول". وزاد اطمئنانهم إليه حين رأوا العرب يعطفون عليه المصدر الصريح -وهو يدل على المعنى المجرد- عطفا يدل على اشتراكهما في الدلالة المعنوية المحضة. ولم يبق بعد هذا إلا