دمشق على عادته ولا يليق عزله سريعا، فقام عنه بشتك وهو غير راض، فإنه كان قد توهّم من قوصون وخشى منه على نفسه وطلب الخروج من ديار مصر لما كان بينهما قديما من المنافرة، ولأنّ قوصون صار الآن متحكّما فى الدولة، فلمّا خرج بشتك من عند قوصون وهو غير راض سعى بخاصّكيّة السلطان وحمل إليهم مالا كثيرا فى السرّ، وبعث إلى الأمراء الكبار وطلب منهم المساعدة، فما زالوا بالسلطان حتى أنعم عليه بنيابة الشام وطلب الأمير قوصون وأعلمه بذلك فلم يوافقه، وقرّر مع السلطان أنه يحدّث الأمراء فى ذلك ويعدهم بأنه يولّى بشتك إذا قدم الأمير قطلوبغا الفخرىّ من تحليف نائب الشام وبنسخة اليمين، فلمّا دخل الأمراء عرّفهم السلطان طلب بشتك بنيابة الشام فأخذوا فى الثناء عليه والشكر منه، فاستدعاه وطيّب خاطره ووعده بها عند قدوم الفخرىّ، ورسم له بأن يتجهز للسفر، فظن بشتك أن ذلك صحيح، وقام مع الأمراء من الخدمة، وأخذ فى عرض خيوله وبعث لكل من أكابر الأمراء المقدّمين ما بين ثلاثة أرؤس إلى رأسين بالقماش المذهب الفاخر، وبعث معها أيضا الهجن، ثم بعث إلى الأمراء الخاصّكيّة مثل ملكتمر الحجازىّ وألطنبغا الماردانىّ شيئا كثيرا من الذهب والجوهر واللؤلؤ والتحف. وفرّق عدّة من الجوارى فى الأمراء بحيث إنه لم يبق أحد من الأمراء إلا وأرسل إليه. ثم فرّق على مماليكه وأجناده وأخرج ثمانين جارية بعد ما شوّرهنّ بالأقمشة والزراكش وزوجهنّ. وفرّق من شونته على الأمراء اثنى عشر ألف إردب غلة. وزاد بشتك فى العطاء حتى وقع الإنكار عليه واتّهمه السلطان والأمير قوصون بأنه يريد الوثوب على السلطان وعملوا هذا من فعله حجّة [للقبض «1» ] عليه، وكان ما خصّ الأمير قوصون من تفرقة بشتك فى هذه النّوبة حجرين من حجارة معاصير