وركوبهم حتى يتقرّب بذلك إلى خواطر العامّة. ثم تنكّرت المماليك السلطانية على كريم الدين الكبير لتأخّر جوامكهم شهرين، وتجمّعوا يوم الخميس ثامن عشرين صفر قبل الظهر ووقفوا بباب القصر، وكان السلطان فى الحريم، فلمّا بلغه ذلك خشى منهم، وبعث إليهم بكتمر الساقى فلم يلفتوا إليه، فخرج السلطان إليهم وقد صاروا نحو ألف وخمسمائة، فعند ما رآهم السلطان سبّهم وأهانهم وأخذ العصاة من مقدّم المماليك وضرب بها رءوسهم وأكتافهم، وصاح فيهم: اطلعوا مكانكم فعادوا بأجمعهم إلى الطّباق، وعدّت سلامة السلطان فى هذه الواقعة من العجائب، فإنّه خرج إليهم فى جماعة يسيرة من الخدّام، وهم غوغاء لا رأس لهم ولا عقل ومعهم السّلاح. انتهى.
ثمّ أمر السلطان للنائب بعرضهم (أعنى المماليك) فعرضهم فى يوم السبت آخر صفر وأخرج منهم مائة وثمانين إلى البلاد الشاميّة فرّقهم على الأمراء، وأخرج بعد ذلك جماعة منهم من الطّباق إلى خرائب «1» التتار بقلعة الجبل، وضرب بعضهم «2» بالمقارع هو وغلامه لكونه شرب الخمر ضربا مبرّحا مات منه المملوك بعد يومين.
قلت: لا شلّت يداه، هذا وأبيك العمل! ثم أنقص السلطان جوامك من بقى من مماليك الطّباق، ثم أخرج جماعة من خدّام الطّباق الطواشيّة (أعنى مقدّمى الطّباق) وقطع جوامكهم وأنزلهم من القلعة لكونهم فرّطوا فى تربية المماليك.