وأمّا الكتاب الذي كتبه الملك الناصر محمد بن قلاوون من الكرك إلى بيبرس وسلّار مضمونه، بسم الله الرحمن الرحيم:

حرس الله تعالى نعمة الجنابين العاليين الكبيرين الغازيين المجاهدين، وفّقهما الله تعالى توفيق العارفين! أمّا بعد فقد طلعت إلى قلعة الكرك وهى من بعض قلاعى وملكى، وقد عوّلت على الإقامة فيها، فإن كنتم مماليكى ومماليك أبى فأطيعوا نائبى (يعنى نائبه سلّار) ولا تخالفوه فى أمر من الأمور، ولا تعملوا شيئا حتّى تشاورونى فأنا ما أريد لكم إلّا الخير، وما طلعت إلى هذا المكان إلّا لأنّه أروح لى وأقلّ كلفة، وإن كنتم ما تسمعون منى فأنا متوكّل على الله والسلام.

فلمّا وصل الكتاب إلى الأمراء قرءوه وتشاوروا ساعة، ثم قاموا من باب القلعة وذهبوا إلى دار بيبرس واتفقوا على أن يرسلوا إلى الملك الناصر كتابا، فكتبوه وأرسلوه مع البروانىّ على البريد، فسار البروانىّ إلى أن وصل إلى الكرك واجتمع بالملك الناصر وقبّل الأرض بين يديه وناوله الكتاب، فأعطاه الملك الناصر لأرغون الدّوادار، فقرأه فتبسّم السلطان وقال: لا إله إلّا الله! وكان فى الكتاب:

ما علمنا ما عوّلت عليه، وطلوعك إلى قلعة الكرك وإخراج أهلها وتشييعك نائبها، [وهذا أمل بعيد «1» ] فخلّ عنك شغل الصّبىّ، وقم واحضر إلينا وإلّا بعد ذلك تطلب الحضور ولا يصحّ لك، وتندم ولا ينفعك النّدم، فياليت لو علمنا ما كان وقع فى خاطرك وما عوّلت عليه، غير أنّ لكلّ ملك انصرام، ولانقضاء الدولة أحكام، ولحلول الأقدار سهام؛ ولأجل هذا أمرك غيّك بالتطويل، وحسّن لك زخرف الأقاويل؛ فالله الله حال وقوفك على هذا الكتاب، يكون الجواب حضورك بنفسك ومعك مماليكك، وإلا تعلم أنّا ما نخلّيك فى الكرك، [ولو كثر شاكروك «2» ] ويخرج الملك من يدك؛ والسلام.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015