فاقتضى الرأى أن يفرج لهم عند نزولهم ويركب الجيش أقفيتهم. فلمّا باتوا على ذلك وأصبحوا نهار الاثنين ركب التتار فى الرابعة من النهار ونزلوا من الجبل فلم يتعرّض لهم أحد وساروا إلى النهر فاقتحموه، فعند ذلك ركبهم بلاء الله من المسلمين وأيّدهم الله تعالى بنصره حتى حصدوا رءوس التتار عن أبدانهم ووضعوا فيهم السيف ومرّوا فى أثرهم قتلا وأسرا إلى وقت العصر. وعادوا إنى السلطان وعرّفوه بهذا النصر العظيم، فكتبت البشائر فى البطائق، وسرّحت الطيور بهذا النصر العظيم إلى غزة.

وكتب إلى غزّة بمنع المنهزمين من عساكر السلطان من الدخول إلى مصر، وتتبّع من نهب الخزائن السلطانية والاحتفاظ بمن يمسك منهم، وعيّن السلطان الأمير بدر الدين بكتوت الفتّاح للمسير بالبشارة إلى مصر.

ثم كتب بهذا الفتح العظيم إلى سائر الأقطار، وبات السلطان ليلته وأصبح يوم الثلاثاء وقد خرج إليه أهل دمشق، فسار إليها فى عالم عظيم من الفرسان والأعيان والعامّة والنساء والصبيان لا يحصيهم إلّا الله تعالى، وهم يضجّون بالدعاء والهناء والشكر لله سبحانه وتعالى على هذه المنّة! وتساقطت عبرات الناس فرحا ودقت البشائر بسائر الممالك، وكان هذا اليوم يوما لم يشاهد مثله. وسار السلطان حتى نزل بالقصر الأبلق «1» ، وقد زيّنت المدينة، واستمرّت الأمراء وبقيت العساكر فى طلب التتار إلى القريتين، وقد كلّت خيول التتار وضعفت نفوسهم وألقوا أسلحتهم واستسلموا للقتل، والعساكر تقتلهم بغير مدافعة، حتى إن أراذل العامة والغلمان قتلوا منهم خلقا كثيرا وغنموا عدّة غنائم، وقتل الواحد من العسكر العشرين من التتار فما فوقها؛ ثم أدركت عربان البلاد التتار وأخذوا فى كيدهم كأنّهم يهدونهم إلى طريق قريبة مفازة، فيوصّلونهم إلى البريّة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015