المذكورة وبنيت. وكان ما وقع للمستنصر هذا تمام سعده. ومن حينئذ أخذ أمره فى إدبار من وقوع الغلاء والوباء بالديار المصريّة. وقاسى النّاس شدائد، واختلّ أمر مصر- على ما سنذكره إن شاء الله تعالى فى وقته من هذه الترجمة- من استيلاء ناصر الدولة بن حمدان على ممالك الديار المصريّة، وزاد ابن حمدان فى عطاء الجند حتّى نفدت الخزائن، وقلّت الارتفاعات. واتّفق ابن حمدان مع الشريف أبى طاهر حيدرة بن الحسن الحسينىّ، وكان قد نفاه بدر الجمالىّ من دمشق، وكان محبّبا للناس، وتلقّبه العامّة بأمير المؤمنين، وكان لمّا نفاه بدر الجمالى من دمشق دخل إلى مصر شاكيا إلى ابن حمدان من بدر الجمالىّ- فاتّفق ابن حمدان والشريف وحازم «1» وحميد ابنا بحرّاح وهما من أمراء عرب الشام، وكان لهما فى حبس المستنصر نيّف وعشرون سنة، فأخرجهما ابن حمدان واتّفقوا على الفتك ببدر الجمالىّ، فأعطاهم ابن حمدان أربعين ألف دينار ينفقونها فى هذا الوجه. وتحدّث ابن حمدان بأن يرتّب الشريف إذا عاد مكان المستنصر فى الخلافة لنسبه الصحيح. وانقسم عسكر مصر قسمين:
قسما مع ابن حمدان، وقسما عليه؛ وزادت مطالبة ابن حمدان بالأموال «2» حتى استوعبها وأخرج جميع ما فى القصر من ثياب وأثاث وباعها بالثمن البخس. وحالف الأتراك سرّا على المستنصر. وعلم المستنصر بما فعله مضافا لما سمع عنه من أمر الشّريف، فقلق وأرسل لابن حمدان يقول: بأنّك قدمت علينا زائرا وجئتنا ضيفا؛ فقا بلناك بالإحسان وأكرمناك، فقابلتنا بما لا نستحقّه منك؛ ونحن عليك صابرون، وعنك مغضون. وقد انتهت بك الحال إلى محالفة العسكر علينا والسعى فى إتلافنا، وما ذاك مما يهمّك؛ ونحبّ أن تنصرف عنّا موفورا فى نفسك ومالك، وإلّا قابلناك على قبيح