إلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَو مُتَحَيِّزًا إلَى فِئَةٍ يَستَنجِدُ بِهَا, وَيَجُوزُ إلَى فِئَةٍ بَعِيدَةٍ فِي الأصَحِّ ....
ـــــــــــــــــــــــــــــ
والمعنى في وجوب المصابرة للضعف: أن المسلم يقاتل على إحدى الحسنيين: إما أن يقتل فيدخل الجنة, أو يسلم فيفوز بلأجر والغنيمة, والكافر يقاتل على الفوز بالدنيا.
وأفهم من كلامه: أنهم إذا زادوا على الضعف .. جاز مطلقًا, وهو كذلك.
وحكى القرطبي في (تفسيره) أنهم إذا بلغوا اثني عشر ألفًا .. حرم الانصراف وإن زاد الكفار على مثليهم عند جمهور العلماء, منهم: مالك وأبو حنيفة وداوود؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (لن يغلب اثنا عشر ألفًا من قلة) , وأنهم جعلوا ذلك مخصصًا للآية.
قال: (إلا منحرفًا لقتال أو متحيز لفئة يستنجد بها) أي: فإنه لا يجوز لهما الانصراف إلا بشرط قصد العود؛ لقوله تعالى: {ومَن يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إلاَّ مُتَحَرِّفًا لِّقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ}.
و (المتحرف للقتال) من ينصرف ليكمن في موضع ثم يبرز, أو من مضيق إلى متسع يمكن فيه القتال, أو يتحول عن مقابلة الشمس أو الريح الذي يسف التراب على وجهه إلى موضع واسع.
و (المتحيز) اسم فاعل من تحيز, أصله: تحيوز, تفعيل, من الحوز, اجتمعت ياء وواو وسبقت إحداهما بالسكون, فقبلت الواو ياء؛ وأدغمت الياء في الياء, فصارت: تحيز.
قال: (ويجوز) الانصراف للمتحيز (إلى فئة بعيدة في الأصح)؛ لإطلاق الآية, ولأن هذا أمر بينه وبين الله تعالى, ولا تمكن مخادعة الله في العزائم, فإذا ظهرت له تلك العزيمة .. جاز التوجه إليها.
روى أبو داوود [2640] والترمذي [1716] عن ابن عمر قال: بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في سرية, فحاص الناس حيصة –أي: حادوا حيدة- فقدمنا المدينة, فاختفينا بها وقلنا: هلكنا, ثم أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلنا: