وَتَحِلُّ كِتَابِيَّةٌ، لَكِنْ تُكْرَهُ حَرْبِيَّةٌ، وَكَذَا ذِمِّيَّةٌ عَلَى الصَّحِيحِ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

قال: (وتحل كتابية)؛ لقوله تعالى: {وَالْمُحْصَنَتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَبَ مِنْ قَبْلِكُمْ} ولا فرق بين أن تكون حربية أو ذمية، ولم يخالف في ذلك إلا ابن عباس وابن عمر؛ فإنهما حرماها، وقال ابن عمر لما سئل عنها: إن الله حرم المشركات، ولا أعلم من الإشراك شيئًا أعظم من أن تقول المرأة: ربها عيسى، وهو عبد من عباد الله.

وقال الإمامية والشيعة: لا يحل نكاحها إلا عند عدم المسلمة.

لكن يستثنى النبي صلى الله عليه وسلم فكانت الكتابية حرامًا عليه على الصحيح، وبه قطع العراقيون؛ تنزيهًا له عن المحال المشركة النجسة.

قال: (لكن تكره حربية) أي: الكتابية الحربية؛ خوفًا من استرقاق الولد حيث لا يعلم أنه ولد مسلم، وهذه العلة نص عليها في (سير الواقدي) من (الأم)، ولما في الميل إليها من خوف الفتنة، بل نص في (الأم) على كراهة نكاح المسلمة المقيمة في بلاد الكفر؛ لأنها قد تسترق، وذكر في موضع آخر كراهة التسري أيضًا.

وأغرب صاحب (الذخائر) وتبعه ابن الرفعة فنقلا عن (حلية الشاشي) وجهًا عن بعض العراقيين: أن الحربية لا تحل للمسلم، وهو وهم؛ فإن الشاشي إنما أخذه من (الحاوي)، وهو قال: وأبطل العراقيون نكاحها، وهذا الكلام إذا وقع في كتب العراقيين .. لا يريدون به إلا أصحاب أبي حنيفة كما نبه عليه الماوردي وغيره، فليس ذلك وجهًا في المذهب أصلاً، وسيأتي له نظير في (كتاب الخلع) في قوله: (وإن بدأ بصيغة تعليق كمتى أو متى ما أعطيتني .. فتعليق).

قال: (وكذا ذمية على الصحيح)؛ لئلا تفتنه أو ولده، والكراهة فيها أخف من الكراهة في الحربية، وإلى هذا ذهب مالك وأبو حنيفة؛ لقوله تعالى: {وَلأَمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ}، {أُوْلَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ}.

والوجه الثاني: لا يكره نكاحها، وهو بعيد وإن قاله الإمام والمتولي، اللهم إلا أن يكون ذلك طريقًا لإسلامها فيستحب؛ لأن عثمان بن عفان رضي الله عنه نكح نائلة بنت الفرافصة - بفتح الفاء الأولى وكسر الثانية - الكلبية وهي نصرانية فأسلمت وحسن إسلامها، وكانت أحظى نسائه. رواه البيهقي.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015