فلقد استأجر بالاق -ملك موآب- عراف الوثنيين "بلعام" ليلعن شعب إسرائيل، وبعد ثلاث محاولات فاشلة نجد بلعام يتحول إلى نبي حقيقي:
"فأجاب بلعام وقال لعبيد بالاق: ولو أعطاني بالاق ملء بيته فضة وذهبًا لا أقدر أن أتجاوز قول الرب إلهي لأعمل صغيرًا أو كبيرًا" "العدد 22: 18".
ولا شك في أن كتبة القصص في أسفار العهد القديم قد كتبوها وهم على علم بمقدار الانحطاط الذي تردى إليه أنبياء إسرائيل المحترفون. وعلى سبيل المثال نجد أنه في زمن ميخا، قد عاش أنبياء لم يبيعوا فقط تنبؤاتهم السعيدة لهؤلاء الذين دفعوا لهم الثمن -بل إنهم قد أعلنوا الحرب كذلك على أولئك الذين قبضوا أيديهم عنهم1.
كذلك فإن حزقيال يذكرنا بنبية كانت تمارس السحر والعرافة من أجل "حفنة شعير ولأجل فتات من الخبز" "حزقيال 13: 19".
ومن المعلوم أن النبي المحترف كان له الحق في قبض أجرة نظر خدماته، وتنبؤاته في إسرائيل2.
وبناء على ما سبق فإننا نستطيع أن نميز بالتقريب بين الأنواع المختلفة لأنبياء العهد القديم، وذلك بملاحظة ما إذا كانت خدماتهم منتظمة، أم أنهم كانوا يتكلمون بما وعاه وجدانهم، وتبعًا لنبضة الوحي التي تلقوها. ويشمل النوع الأول كل الأنبياء الذين جعلوا مقر قيادتهم في البلاط الملكي وهم الأنبياء المحترفون.
وأما النوع الثاني فإنه يختص بالأنبياء الحقيقيين الذين رغم صلاتهم الوثيقة بالملوك المتتابعين فإنهم بقوا دائمًا مستقلين غير مرتبطين بسلطة أو حزب"3.