قال تعالى: {وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} 1
لقد تمت نعمة الله على الإنسان بالإسلام، به يعرف غاية وجوده وسبيله إلى الفوز والكمال، فإن أنف منه واستعلى على نعمة الله أضاع حقيقته وخسر نفسه قال تعالى: {وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ} 2.
وكان مما يقلق بال رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينحدر المسلمون في سلم القيم الربانية التي بلغوها بالإسلام فكان يقول: "لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض" 3.
وربما كان مصدر هذا القلق ما علمه الرسول من أن المؤمنين في موقف دقيق، يتطلب منهم أن يقيموا التوازن العادل بين تعاليم الله ورغبات النفوس، فإن أي ترجيح للأهواء ينتهي إلى تغلب قيم الأرض على قيم السماء فكان عليه الصلاة والسلام ينبه إلى الأعراض الخطيرة التي تنشأ من ذلك في حياة المسلمين فقال: "ما نقض قوم عهد الله ورسوله إلا تسلط عليهم عدو من غيرهم، يأخذ بعض ما كان في أيديهم وما لم يحكم أئمتهم بكتاب الله، وتجبروا فيما أنزل الله إلا جعل الله بأسهم بينهم" 4. ولا يعوزنا الدليل في حياتنا الحاضرة على صدق الخبر.
فلم كتب علينا أن نقاسي سريعاً مما صنعته أيدينا، وجلبناه على أنفسنا؟ ألسنا بمسلمين، ألسنا أحق الناس برحمة الله ورأفته؟
بلى، ولكن الله قال: {إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} 5 وإن الله قد وعد هؤلاء رفيع المنزلة، وسنى الجوائز وعالي المقامات وعظيم الثواب، ولكن ليس وعداً جزافاً، إن هو إلا جزاء الواجبات العظيمة والمهمات الشاقة التي كلف بها المؤمنين. إننا نجد في شرع الله كله أن