وكانت هذه الواقعة الحاسمة في يوم الجمعة 15 رجب 479 هـ. وتعرف بالزلاقة، وبها تنفس الأندلسيون الصعداء وامنوا على أنفسهم ودينهم. ولما انتهت المعركة اجتمع ملوك الطوائف، واقبلوا على يوسف يهنونه بالفتح المبين، وحيوه بإمرة الإسلام فصار يدعى أمير المسلمين من ذلك اليوم، وهو أول من تلقب به من ملوك الإسلام فيما نعلم، ولم يجرؤ هو ولا أولاده من بعده أن يتلقوا بأمير المؤمنين تأدباً مع خليفة بغداد، وإن كانوا قد بلغوا في قوة النفوذ والسلطان ما لم يكن للخليفة منه قليل ولا كثير.
ورحل يوسف إلى المغرب بعد ما ترك قطعة من جيشه تحت تصرف ملوك الأندلس لحماية الثغور ودفاع العدو، ولكن هؤلاء سرعان ما راجعوا حياتهم العابثة، وعادوا إلى التناحر فيما بينهم وضيعوا الجند وعرضوا بلادهم للفقد من جديد. فجاء الصريخ إلى يوسف من فقهاء الأندلس وأعيانها وعامتها فأسرع إليهم، وكان العدو قد أخذ في الانقضاض على بلاد الإسلام، فأوقفه عند حده، وقضى على ملوك الطوائف وضم بلاد الأندلس إلى المملكة المغربية، وبذلك أنقذها من الاضمحلال ومن المصير الذي لقيته بعد نحو أربعة قرون.
وتوج يوسف حياته الحافلة بتاج الصدق والإخلاص فأعلن انضواءه تحت لواء الخلافة الإسلامية وكتب للخليفة العباسي أحمد المستظهر بالله يبايعه ويطلب منه تقليداً على ما بيده من أعمال الأقاليم فأجابه لذلك وخاطبه بأمير المسلمين، وناصر الدين. وكان رسوله إلى الخليفة الفقيه عبد الله بن محمد بن العربي المعافري الإشبيلي وولده القاضي أبا بكر بن العربي الإمام المشهور. وبعد ورود التقليد عليه من الخليفة ضرب السكة باسمه ونقش على الدينار «لا إله إلا الله محمد رسول الله» وتحت ذلك أمير المسلمين يوسف بن تاشفين. وكتب على الدائرة «ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين» وكتب على الصفحة الأخرى «عبد الله أحمد أمير المؤمنين العباسي» وعلى الدائرة تاريخ ضربه وموضع سكته. وطار ليوسف بهذه السياسة الحكيمة والسيرة النيرة ذكر جميل في أقطار المشرق والمغرب، حتى خاطبه أقطاب الفكر في العالم الإسلامي حينئذ، من أمثال الإمام الغزالي والقاضي أبي بكر الطرطوشي. ويقال إن الغزالي كان عقد النية على زيارته فتوفي يوسف قبل أن يتهيأ له ذلك.