وصلها الإسلام أو وصلها ولم يتمركز فيها؛ لم يكن للعربية أن تهاجمها أو تتمكن فيها. فالبربرية، ولو أنها انهزمت أمامها، لم تجد خيراً من أن تحتفظ بالرمق الباقي منها في ذلك البعض من الحصون والمعاقل. وهناك حقيقة، في شعف جمال الأطلس، كان متربعها ومقيلها، حيث بقيت تتنازع البقاء. فآناً تجد من يأخذ بضبعها من متعصبة المغاربة ومتحمسيهم، أو ممن لا ناقة له ولا جمل في هذا الأمر، وإنما همته بذر الشقاق والخلاف بين العنصرين المتمازجين والجنسين المتحدين (?) فتنهض وتستوي؛ وآناً تبقى مهملة منبوذة، لا يؤبه لها ولا يحفل بها، وذلك غالب أمرها. بل فيا عدا عصر الفتوح الذي نحن فيه، وفيما بعده بقليل، لم يبق لها بجانب العربية ظهور ولا صولة مطلقة. وخصوصاً بعد قيام الدول العربية البحت من بني مرين والسعديين والعلويين، كما ستجد تفاصيل ذلك في تضاعيف هذا الكتاب.

الصراع بين العرب والمغاربة

إذا عدنا لذكر الصراع القائم بين العرب والمغاربة؛ فلسنا نقصد صراعاً دينياً من نوع ما سبق، فنكون نقضنا حكمنا بأن المغاربة لم ينتقضوا على الإسلام أولاً، إلا لأنهم جهلوه فعادوه، وإنما نقصد هذا الصراع السياسي الطويل الذي ثارت عوامله بين العنصرين المتنافسين فيما بعد، بسبب تداول الحكم وتنازع السلطة.

ولعل مثار النزاع أولاً إنما كان لأجل استبداد العرب بوجوه المنافع، واختصاصهم بالمناصب العالية في الدولة، فبدأت المطالبة بالمساواة في الحقوق. ثم استفحل الداء فبدأ المغاربة يشعرون بالخطر يتهددهم، وأنهم إن لم يتلافوا الحال، ربما أفضى الأمر إلى محو وجودهم السياسي. فهاجت حميتهم وثارت عصبيتهم، وهبوا مندفعين كالسيل الجارف يريدون في البدء نيل حقوقهم المهضومة، وتثبيت مركزهم المتضعضع. ثم لما استحلوا الظفر واستمرءوا طعم الظهور، لم يبقوا قانعين بما حصلوا عليه. فتعلقت آمالهم بالملك والإمارة، وساروا في سبيلهم متحمسين.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015