فكان من النتائج المتحتمة الوقوع أن توقفت دواليب الحركة الإسلامية، وضعفت العوامل والأسباب الباعثة، والمشوقة إلى الدخول في الإسلام، حتى ارتد عنه من كان أسلم حديثاً، ولم تخالط بشاشته قلبه.
في زمن الوليد بن عبد الملك سنة 87 هـ، قدم موسى بن نصير والياً على إفريقية. فقبض على زمام السلطة بيد من حديد، وضبط الشؤون واستصلح الأحوال، فأصبحت البلاد تمرح في بحبوحة الأمن والنظام، وتتمتع بسكينة وطمأنينة لا عهد لها بهما من قبل. فكان هذا هو الفتح الثاني الحقيقي، وقد قاتل المرتدين عن الإسلام، وبذل قصره في حملهم على الرجوع إليه، والتمسك بحبله المتين. وكان يشتري العبد يظن أنه يقبل الإسلام من بعد أن يجرب فطنته ويمحص عقله، ثم يمضي عتقه ويتولاه.
وهكذا شيد صرح الإسلام في «إفريقية (?)» والمغرب، وأقام دعائمه على السياسة الحكيمة والسيرة العادلة، فلم يبق يخشى عليه الانتقاض بعد هذه الجهود العظيمة، والمتاعب الجسيمة.
وفعلاً فقد استمر الحال على ذلك سنين عديدة، انصرف العزم فيها إلى تعمير الخراب وتجديد المندثر. وفي اثنائها فتحت الأندلس بجيوش المغاربة المسلمين الصادقي الإيمان. وكان يظن أنه لما يرجع السيف إلى غمده، ينصرف العزم على ترقية مستوى البلاد العلمي والأدبي، بعد رقيها عمراناً واقتصاداً وسياسة. ولكن خطراً جديداً أصبح يهدد هذا القطر المغربي القليل الحظ. فلم يتح له أن يجاري الأقطار الإسلامية الأخرى في النهضة والتجدد، والأخذ بأسباب الحضارة والتمدين، بعد أن ظن أنه اجتاز دور الإنشاء والتكوين. ذلك هو خطر الخوارج (?) النازحين إليه من الشرق، المضطهدين من حكوماته، حيث إنهم لم يجدوا مجالاً فسيحاً لترويج بدعتهم وبث دعايتهم في أمن وأمان مثل المغرب. وقد قاسى منهم الأمرين، وذاق