هذه ثانية دولة عربية صريحة قامت في المغرب بعد الأدارسة، بل ثانية دولة علوية بقطع النظر عما أرجف به خصومها من الطعن في نسبها. وهي لم تستند في قيامها إلى مهدوية ولا إلى عصبية، وإنما من أول الأمر كان نهوضها التحقيق أمنية وطنية، هي تنظيم القوات الجهادية وقيادتها لطرد الأجانب المحتلين لشواطئ البلاد وذلك بطلب من المجاهدين أنفسهم، فأشبهت في هذا الأمر الدولة الإدريسية من حيث كونها مطلوبة لا طالبة، وكون نهضتها سياسية من أول الأمر لم تموه بشيء من الدعاوى الكاذبة؛ وكون القائمين بنصرتها والمنضوين تحت لوائها هم البربر الذين قاموا بنصرة الأدارسة من قبل، وانضووا تحت لوائهم. والعجيب هو أنهم نصروهم على دولة بني وطاس البربرية، فلم ينظروا إلى ما تقتضيه عصبية النسب واللغة والقومية من الاحتماء لهم والدفاع عن سلطانهم أن يزول، وفي زواله فشل أمرهم وذهاب ريحهم؛ لكنها كانت زاغت عن الصراط المستقيم واشتغلت بالتهالك على طلب السلطة، وظنت الملك هو هذه المواكب التي يظهرون فيها بمظاهر الفخفخة والاختبال، من غير نظر في مصالح الرعية ولا اهتمام بتحصين البلاد من هجمات العدو. فسرعان ما اختلت الأمور، وتعرضت الأمة لشقاء الاحتلال وتحكم الأجنبي فيها فكثرت إغارة البرتغاليين على الشواطئ واحتلوا منها ما احتلوا وأخذوا يعدون العدة لضم أطراف المغرب بعضها إلى بعض، وتمثيل مأساة عام 1912 في 1512، فكيف لا يتحد البربر والعرب على رفع هذا العار عنهم وتلافي الخطر المحيق بهم؟ وبعد فهل تريد دليلاً أقوى من هذا على صحة إسلام البربر وصدق إيمانهم وتغلغل الروح الديني والتعاليم المحمدية في نفوسهم، حيث غلبوا الرابطة الدينية على العصبية الجنسية والأخوة الإسلامية على النعرة القومية، فدلوا بذلك على اتحادهم مع العرب وائتلافهم بهم اتحاد الروح مع الجسم وائتلاف اليمين بالشمال؟ اللهم إن من يزعم غير ذلك، ويكابر في هذه الحقيقة الملموسة فإنما غرضة السعاية وبث سموم البغضاء بين ذوي القرابات الوشيجة والأرحام المشتبكة.