والمرافق، الأمر الذي كان يجب أن يتم منذ جلوس أول عربي صميم تولد من بربرية صميمة على عرش المغرب، وهو إدريس الثاني بن كنزة بنت إسحاق بن عبد الحميد الأوربي، بل منذ أن قاد طارق بن زياد وهو البربري الصريح جيش المغرب الذي فتح الأندلس؛ فركز فيها راية العروبة فلم تزل فيها عالية خفاقة إلى آخر العهد بها.

وهكذا أيضاً كان عمل المرينيين في الناحية الدينية سليماً من أي نزعة، خالصاً من كل بدعة. فإذا كان المذهب الأشعري في العقائد قد تقرر في العصر السابق، وصار هو الغالب على أكثرية المغاربة، فقد علمت أنه تقرر بعيداً عن تأثير الدولة، وخالياً مما كانت تضيفه إليه من آراء شاذة مأخوذة عن المعتزلة وغلاة الشيعة. على أنه قد عم العالم الإسلامي، وأصبح هو والمذهب الماتريدي) (?) المذهبين العقدين الرسميين السائدين في سائر مملكة الإسلام، وفي الفقه ساد المذهب المالكي نهائياً لكفاح اتباعه المستميت في العصر السابق، ولمناصرة الدولة الجديدة له. على أن الحرية المذهبية لم تقيد قط في المغرب. فبقي أفراد عديدون في هذا العصر وفي العصور التي بعده يميلون إلى المذهب السلفي في العقائد، وآخرون يأخذون بمذهب أهل الحديث في أحكام العبادات. أما الذين يدرسون الحديث على أنه مادة الفقه وأصله المتفرع عنه فكثيرون. وفي بعض الأحيان كانت الدولة نفسها تناصر المذهب السلفي وتشجع العلماء على النظر والاجتهاد، كما حصل في أيام السلطان سيدي محمد بن عبدالله في العصر العلوي. وعلى كل حال فان مذهب أهل السنة سواء في الاعتقاد أو الفقه قد توطد منذ هذا العصر في المغرب. ولم يقم بعد الموحدين دولة تنزع نزعة مخالفة لما عليه الجمهور وسواد المسلمين. ولقد أعاد السلاطين من بني مرين إلى أذهان الناس ما كان من أبهة الخلافة الأموية الأندلس في قصورهم ومصانعهم ورؤسائهم وجنودهم؛ فكان خروج السلطان لصلاة الجمعة والعيدين، وللمناسبات الأخرى يقع في مشهد عظيم، وموكب فخيم. وكانت هذه المظاهر الشائقة كثيراً ما تغري كبار الذوات العلمية والأدبية في الأندلس والمغربين الأدنى والأوسط، فيفارقون بلادهم غير آسفين عليها، ويؤثرون الحضرة الفاسية حيث يتمتعون في كنف الدولة المرينية بأسنى ما كان يتمتع به رجالات الدول السالفة كالعباسيين والأمويين مما سمعوا به ولم يروه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015