عليهم فيرجعون لبني مرين أيضاً، لأنهم ليس لهم عضد ولا ناصر غيرهم. ولقد حدث مرة أن أرسل السلطان رأس أحد القواد الإسبان من أوقع بالمسلمين وقائع فظيعة، أرسله إلى ملك بني نصر ليظهره إلى المسلمين فيحمدون الله الذي أمكن من عدوهم اللدود. لكن ملك بني نصر طيبه وجعله في صندوق محلى وأرسل به إلى ملك الأسبان يتملقه، فانظر إلى التخاذل كيف يكون، وإلى السقوط من حالة العز إلى خضيض الهون. . . ولا يظن القارئ أنهم كانوا يخافون منهم على بلادهم، فقد قدمنا أن فكرة الاستيلاء على الأندلس لم تدر قط بخلد ملوك المرينين، وإلا فهم لو أرادوها لم تعجزهم بحال، وقد قدمنا أنهم لما كانوا يستولون على حصن. أو بلد، سرعان ما يسلمونه إليهم قاصدين بذلك إزالة النفرة من أنفسهم، وتقوية الروابط معهم، ولم يكونوا يبقون بأيديهم إلا جبل طارق والجزيرة الخضراء، وجزيرة طريف، وهذه إنما يبقونها لربط خيط المواصلة بين العدوتين، وإنزال المقاتلة وإدخار المؤونة مما مصلحته عائدة على الأندلس، لكن أولئك القوم لم يكونوا يراعون هذا الجميل، وإنما ينظرونه بعين عوراء وأخرى مغمضة.

وماذا حدث بعد ذلك؟ حدث أن الدولة المغربية لم تبق على شيء من القوة بسبب ما استنفذت من مجهودها هذه الحروب الطاحنة، ثم قامت قيامة بني مرين؛ بالتهالك على السلطة، وتنازع الإمارة فانتهى الأمر بسقوطهم، وانتصاب دولة بني وطاس، وهم فرع من بني مرين؛ إلا أنهم ليس فيهم غناؤهم فضعفت الأمة ومرج أمرها، واشتغلت بمشاكلها الداخلية، وحروبها الأهلية. فكأنما أبدلت الأرض غير الأرض، والناس غير الناس. وفي هذه الأثناء كانت النداءات على العادة تتوالى من أهل الأندلس على المغرب وهو لا يستجيب لنداء، لأنه كما علمت، منتحر مضرج بالدماء، نعم كان يتسرب إليهم آونة بعد أخرى، فوج من متطوعة المقاتلين ومتحمسة المجاهدين؛ ولكن كان جهده أن يبلغ الأخبار، ويبسط الأعذار، والعدو إذ ذاك لام شعثه، آخذ أهبته قوي متحد، منيخ بكلكله على المسلمين، يذيقهم العذاب المهين، حتى حصلت الكارثة، ونفذ سهم القضاء ولا حول ولا قوة إلا بالله.

قلنا إنه لما سقطت دولة المرينيين خلفتها دولة الوطتاسيين، إلا أن هذه لم يصحبها توفيق فكانت ذنباً طويلاً للدولة المرينية، يجري عليها ما يجري على أعقاب الدول، من مصاحبة الفشل، ومعاناة العثار، وقد بقيت كذلك حتى أخلت المكان للدولة السعدية التي سنتكلم عليها بعد هذه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015