لسان حال حكومة الحماية، بعددها رقم 4592 في هذا الصدد تحت عنوان بلاغ عسكري (أصدر سعادة الجنرال خليفة سعادة القائد الأعلى للجنود بالنيابة أمراً يقضي بمنع الكتاب المعنون بالنبوغ المغربي في الأدب العربي الصادر باللغة العربية في تطوان من الدخول إلى المنطقة الفرنسية بالمغرب الأقصى، وكذلك بيعه وعرضه وتوزيعه، ومن خالف ذلك يعاقب بمقتضى القوانين المقررة». .
وإذا كان هذا القرار دلالة فهي تأكيده لكون الكتاب عملاً وطنياً فوق كونه عملاً أدبياً ولذلك استحق أن يحظى من الاستعمار الفرنسي الغاشم بهذا الجزاء الظالم. . وكان أن ثارت ثائرة الصحف الوطنية بتطوان ضد هذا التدخل العسكري الاستبدادي في شؤون الفكر والثقافة، فكتبت كل من جريدة «الحرية» وجريدة «الوحدة المغربية، مقالات نارية تنتقد فيها القرار المذكور وتندد بالحرية الفرنسية المزعومة، مما جعل الصحافة الاستعمارية تصاب بالسعَّار، فتصب جام غضبها على الوطنية المغربية عموماً، وتخصَّني بحملات عدائية أنتهزها الأذنابُ والمنافقون، فلم يقصروا في الأذى والضرر.
ومن الأنصاف أن أقول أن هذا كان في الجنوب أو المنطقة السلطانية إذ ذاك. وأما في الشمال أو المنطقة الخليفيه، فقد تلقي الكتاب بقبول حسن من لدن السلطة، واقتنت منه إدارة المعارف كمية من النسخ، وزعتها على المكتبات والمعاهد في المنطقة. ثم لما ترجم إلى الإسبانية بمعرفة الأستاذين خير ونيمو كريو أورد ونياز ومحمد تاج الدين بوزيد، قابلته المحافل الأدبية في إسبانيا بمزيد من التقريظ والتقدير، وبلغ الأمر أن وصلتني رسالة من وزارة الخارجية الإسبانية بتاريخ 18 نوفمبر 1939 تعلمني بأن وزارة المعارف العمومية لهذه البلاد، قد منحتني درجة دكتوراه شرف للآداب من جامعة مدريد بمناسبة صدور كتابي النبوغ المغربي في ترجمته الإسبانية، وتدعوني إلى زيارة إسبانيا في رحلة تستغرق شهراً على نفقة الحكومة. وجاءت هذه التحية الكريمة في الوقت المناسب، فمحت من نفسي آثار المعاملة السيئة التي عومل بها الكتاب من السلطات الفرنسية وعملائها، ورددت الجواب بالشكر وعرفان الجميل ولكني أجلت السفر إلى أن يشاء الله تجنباً للقيل والقال.
هذه قصة كتاب النبوغ المغربي باختصار، من لدن التفكير في وضعه وجمعة،