لم تكن دولة المرابطين أعظم استقراراً ولا أكثر اطمئناناً منها حينما ظهر المهدي ابن تومرت على مسرح التاريخ وضرب ضربته القوية التي قوضت أركان ذلك البنيان الشامخ وأتت عليه من الأساس. على أن من يستقرئ الأحوال بتعمق، يجد أن بذور الثورة كانت تنمو هنا وهناك، والقوم في غفلة عما يجري حولهم. ولعل ابن تو مرات لم يرحل إلى المشرق إلا وهو يحمل في رأسه فكرة الثورة على الواقع المغربي، وخاصة في ميدان الاجتماع وما يرجع لنزعة الدولة العقدية والمذهبية. ولعله رأى بعيني رأسه، وهو يتجول في ميدان المغرب والأندلس، نسخ الإحياء تضرم فيها النار، والناس بين موافق ومخالف، فتاقت نفسه لتحقيق الحق في هذا الموقف الغريب، إذ ليس من الجائز أن يكون الإسلام في المشرق غيره في المغرب.
ومن هنا يجيء اتصال زعيم الانقلاب الموحدي بحجة الإسلام الغزالي في رحلته، وقراءته عليه، وسؤال هذا له عن المصير الذي لقيه كتابه في المغرب، وعن أحوال المرابطين ثم دعاؤه عليهم - فيما يروي المؤرخون - بتمزيق ملكهم، ذلك الدعاء الذي يعتبر في الحقيقة دعوة إلى الثورة عليهم. ومما لا شك فيه أن المهدي رشح نفسه لهذه المهمة، من يومئذ. وما يمنعه من ذلك؟ وهذا الإمام الغزالي الذي أيد سياسة المرابطين أيام العاهل الكبير يوسف بن تاشفين، عاد فسحب تأييده لها أيام ولده علي.
وكان المهدي رجلاً من سوس، ومن قبيلة هرغة بالذات، إحدى قبائل المصامدة واسمه محمد، وإنما اشتهر بالمهدي بعد إعلانه لدعوته، وهو ينتسب في آل البيت عليهم السلام وخرج طالباً للعلم سنة 501 فدخل الأندلس ورحل إلى المشرق؛ فحج ولقي الأئمة وحصل على علم غزير، وكان ذا فصاحة ولسن وحجة قوية، إلى ورع ونسك وغيرة شديدة على الدين، ما جعل منه داعية من الطراز الأول، فلم يلبث أن نزل إلى الميدان مصلحاً دينياً يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ويدعو إلى التوحيد على طريقة