الإنتاج والتفكير مقام رفيع. ولكن الإهمال قد عفى على ذلك كله، وعدم الاهتمام يجمعه في كتاب، والتنبيه عليه في خطاب أدى إلى وأده، فاحتاج إلى من يبعثه من مرقده.
وقد شمرت عن ساعد جدي، وأنا يافع لم يبقل بعد عارضي، فتتبعت جميع ما وصلت إليه يدي من آثار أدبية مغربية، وأخبار عن أدباء المغرب وعلمائه، مما وقفت عليه في الكتاب والأوراق والمحافظ، أو تلقفته من أفواه المشائخ والأدباء والأقران، وجمعت ذلك كله في كتاب النبوغ ودفعت به إلى المطبعة منذ بضع وعشرين سنة، لعلي أرفع الضيم عن بلادي، وأثبت مركزها في حظيرة العلم والأدب، على ما هو عليه مركزها في السياسة والحرب أو أعظم.
ولقد وفقت إلى ما أردت أو بعضٍ مما أردت، على ضعف وسائلي المادية والأدبية في ذلك الحين، فكان للكتاب صدًى بعيد في الداخل والخارج، نبه الزملاء والناشئين بعد إلى العناية بهذه الناحية من تاريخهم، وأثار اهتمام الباحثين والمعنيين بهذه الشؤون في الشرق والغرب، حتى قال فيه أمير البيان المرحوم الأمير شكيب أرسلان? ? إن من لم يقرأه فليس على طائل من تاريخ المغرب العلمي والأدبي والسياسي? ? وصار العلامة الأستاذ كارل بروكلمان، الحجة في تاريخ الأدب العربي يعتمده في ملحقات كتابه العظيم، عن تاريخ هذا الأدب. ولا يمكنني في هذه العجالة أن أستوعب أسماء جميع الأدباء والكتاب الذين تناولوه بالنقد والتقريظ في مختلف الصحف والمجلات منذ صدوره إلى الآن. ولكني أشير إلى إقرار العالم الإيطالي الشهير جيوفاني بيانكي في مقال له بمجلة الشرق الحديث (?) عن الكتاب? ? بإبرازه للمساهمة التي أبداها المغرب في الآداب العربية، تلك المساهمة التي أهملت حتى اليوم، ولم تقدر كما كان ينبغي? ? وهذه هي الغاية التي من أجلها الفت النبوغ. وكذلك أشير إلى ما جاء في مقال عنه للدكتور محسن جمال الدين، نشر بمجلة الأديب البيروتية منذ عهد قريب (?) وهو قوله: ? ? أن فضيلة هذا الكتاب في أنه يختص بدراسة