والذي يفهم ما قالوه، لا يكون إلا فاضلاً، قد قطع درجة الفقهاء، ودرجة من قلّد المتكلمين، فيصير هؤلاء؛ إما منافقين؛ وإما في قلوبهم مرض، ويظنّ الظان أنه ليس في الأمر على نبوة الأنبياء براهين قطعية، ولا يعلم أن هذا إنما هو لجهل هؤلاء وأصولهم الفاسدة التي بنوا عليها الاستدلال وقدحهم في الإلهية، وأنهم لم ينزهوا الرب عن فعل شيء من الشرّ، ولا أثبتوا له حكمة ولا عدلاً، فكان ما جهلوه من آيات الأنبياء؛ إذ كان العلم بآيات الله، وما قصّه لخلقه من الدلائل والبراهين، مستلزماً لثبوت علمه وحكمته ورحمته وعدله، فإذا انتفى اللازم انتفى الملزوم.

وهم في الأصل إنما قصدوا الرد على القدرية الذين قالوا: إن الله لم يشأ كل شيء، ولم يخلق أفعال العباد1. وهو مقصود صحيح، لكن ظنوا أن هذا لا يتم إلا بجحد حكمته، وعدله، ورحمته، فغلطوا في ذلك.

المعتزلة غلطوا من جهات كثيرة

كما أنّ المعتزلة أيضاً غلطوا من جهات كثيرة، وظنّوا أنه لا تثبت حكمته، وعدله، ورحمته، إن لم يجحد خلقه لكل شيء، وأنه ما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن، ويجحد اتصافه بالكلام، والإرادة، وغير ذلك من أقوال المعتزلة2، التي هي من أقوال هؤلاء؛ فإن هؤلاء3 في الصفات

طور بواسطة نورين ميديا © 2015